على رغم مضي أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية والغزو العراقي للكويت، إلا أن مشكلة تحديد حقوق بغداد في ساحله المطل على الخليج، سواء من جهة خور عبدالله أو شط العرب، لا تزال مهملة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة لانشغالها بالأزمات والمشكلات الداخلية منذ سقوط نظام صدام حسين في (أبريل) نيسان 2003.
وأدت تحركات كل من الكويت وإيران بالقرب من السواحل العراقية لتحديد حدودهما البحرية بشكل كامل من دون مشاركة أو تمثيل لبغداد إلى طرح تساؤلات كثيرة من قبل نواب وخبراء عن سبب إهمال هذا الملف وعدم التحرك بجدية لحسمه مع الدولتين، بخاصة أنه كان السبب في اندلاع أزمات كبيرة بين بغداد والكويت من جهة وبغداد وطهران من جهة أخرى.
المشكلة عراقية
عضو لجنة العلاقات الخارجية النائب مثنى أمين قال إن عدم ترسيم الحدود البحرية على الخليج سببها المشكلات الداخلية في العراق، مشيراً إلى أن اللجنة ستبحث هذا الملف مستقبلاً، بخاصة أنه “لا تزال لدينا مشكلات عند الحدود بيننا وبين إيران من ناحية والكويت من ناحية أخرى”.
وبموجب القرار 833 الصادر عن مجلس الأمن الدولي رسمت الحدود البرية بين العراق والكويت من خلال فرض الأمر الواقع على بغداد من دون أي تفاوض في شأنها، بينما ترك قرار الحدود البحرية للدولتين للتوصل إلى اتفاق لتنظيم الملاحة في خور عبدالله عام 2013، وجعل الخور الذي كان يتبع العراق بالكامل مجرد ممر للملاحة وأعطى الجانب الكويتي حق إدارته وتسيير دوريات الزوارق فيه.
وحاصرت قبل أسابيع زوارق كويتية عسكرية حفاراً عراقياً كان يوسع مجرى خور عبدالله من الجانب العراقي وأمرته بالعودة إلى الموانئ العراقية، إلا أنه استمر في الحفر لأيام عدة في القناة الملاحية التي تشكل المنفذ الرئيس للموانئ العراقية.
ويرى أمين أن “اتفاق الجزائر 1975 الذي رسم حدود العراق مع إيران في شط العرب مجحف، بخاصة مع تغير مناسيب الشط من الجانب العراقي وابتلاعها لمساحات من الأراضي عبر تحرك نقطة التالوك”، مبيناً أنها نقطة العمق الأساسية التي يمكن أن يحدث فيها نوع من الحسابات الجديدة وهي ليست لمصلحة العراق، فضلاً عن الاعتداء على بعض المنصات العراقية”.
وحدد “اتفاق الجزائر” عام 1975 بين العراق وإيران الخط الفاصل بين البلدين في شط العرب حاله حال بقية الحدود المشتركة بين البلدين، لكن بغداد تراجعت عن إعادة العمل بها بشكل جدي منذ 2003 وحتى الآن.
ويتضمن الاتفاق أيضاً اللجوء إلى التحكيم الدولي بين البلدين في حال الاختلاف في التفسيرات حول خط الحدود العراقية- الإيرانية وعدم الاتفاق بين الطرفين عند اللجوء إلى دولة أخرى كوسيط وسط أطر زمنية حددها الاتفاق.
وتسعى إيران منذ سقوط نظام صدام حسين إلى تغيير مسار “خط التالوك” الذي يفصل شط العرب بينها والعراق للاستحواذ على منشآت اقتصادية عراقية تقع على ضفته، مستغلة حدوث انجراف في مجرى القناة الملاحية له على حساب الأراضي العراقية ولم تتعامل معه سلطات بغداد بجدية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
خنق العراق
ويتوقع النائب السابق عن محافظة البصرة وائل عبداللطيف خنق العراق من الجانب الشرقي والجنوبي من سواحله، مما سيؤدي إلى خنق ميناء الفاو وقال إن “الحكومات منذ عام 2005 تتحمل مسؤولية عدم ترسيم الحدود البحرية وما يجري في شط العرب هو تدمير للملاحة بسبب غلق ميناء المعقل الذي يعد أول ميناء عراقي، فضلاً عن غلق ميناء أبو فلوس”، لافتاً إلى أن العراق يحاصر من قبل الجارة إيران في مدخل شط العرب والتجاوز على 26 نقطة عراقية ونحو كيلومترين ونصف من خط حدوده.
وأضاف أن أسباب تأجيل ترسيم الحدود المائية مع الكويت وإيران تعود إلى انشغال العراق بالمشكلات الداخلية التي تبعده عن الاهتمام الكافي بهذا الملف، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي، مشدداً على ضرورة اللجوء إلى تفاوض حقيقي وحوار جاد برعاية دولية لمعالجة تلك الاعتداءات.
من جهته قال مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إن “الذي يتحمل المسؤولية هو الحكومة العراقية والجهات المتخصصة ووزارة الخارجية وأيضاً مجلس الأمن الدولي طبقاً للقرارات الدولية الصادرة بعد عامي 1990 و1991″، لافتاً إلى أنه من المفترض أن يتم ترسيم الحدود العراقية بتعاون بين العراق والكويت ضمن إطار الاتفاقات الدولية وقواعد القانون البحري وغيرها من التفاصيل المهمة.
وفي ما يتعلق بالحدود مع إيران، أشار فيصل إلى أن هناك اتفاقات عدة منذ بداية القرن الـ20 بين بغداد وطهران لكن أبرزها كان “اتفاق الجزائر” الذي أودع لدى الأمم المتحدة واعتمد خط التالوك بين الطرفين الذي يحدد الخط الفاصل بين العراق وإيران، لافتاً إلى أنه من المفترض أن يلتزم الطرفان “اتفاق الجزائر”، بخاصة أن الرئيس العراقي بعد 1990 في رسالة موجهة إلى الرئيس الإيراني رفسنجاني أكد التزام بلاده.
مفاوضات مباشرة
من جهته دعا الكابتن ضجر البدران الخبير في أعالي البحار إلى الدخول بمفاوضات مباشرة مع كل من الكويت وإيران للتفاوض على الحدود البحرية المشتركة، فيما أشار إلى أن المنطقة الاقتصادية البحرية للعراق تبلغ 200 ميل مربع.
وأوضح البدران أن كل قطرة مياه كانت عراقية في شط العرب وعندما حدث التقسيم كان “خط التالوك” يعطي مزيداً من الأراضي اليابسة لمصلحة إيران، لافتاً إلى أنه خلال 100 عام مضت ومنذ إنشاء أول ميناء عراقي تقهقرت القناة الملاحية باتجاه العراق بمقدار أربعة كيلومترات ومنذ عام 1980 إلى الآن تراجعت بمسافة 2 كيلومتر داخل المجرى باتجاه العراق.
وبحسب مصادر حكومية عراقية فإن انجراف القناة الملاحية في شط العرب نحو الأراضي العراقية سيؤدي إلى رسم “خط التالوك” من جديد، ما سيعني ضم ميناء العمية النفطي إلى الجزء الإيراني من شط العرب، مؤكدة أن السبب يكمن في قيام إيران بحفر نهر همشير المجاور لشط العرب مما تسبب بترسبات طينية أدت إلى انجراف القناة الملاحية.
اندبندت عربي