في تعريفها الأبسط تضمّ مجموعة العشرين الدول صاحبة الاقتصادات الأقوى في العالم، وهي بالتالي المنتدى العالمي الأبرز لمناقشة المسائل الاقتصادية والتجارية والتنموية والبيئية، والقمم التي تعقدها المجموعة تنعقد غالباً على خلفية أزمات كونية تعصف بالعالم عموماً وبالدول والمجتمعات النامية أو الفقيرة خصوصاً. ويندر بالتالي أن يلتئم محفل للمجموعة ولا تقترن باجتماعاته خلافات مستعصية تجعل البيانات والتوصيات الختامية بمثابة إعلان نوايا لا يتجاوز أحياناً صيغة الحبر على ورق.
هذه هي حال القمة الـ17 للمجموعة، التي افتُتحت اليوم وتحتضنها أندونيسيا في منتجع بالي تحت الشعار الطموح «التعافي معاً، التعافي أقوى»، وتعليق آمال قديمة وأخرى جديدة حول توطيد التعاون بين اقتصادات العالم، وتنسيق السياسات الوطنية والعالمية بما يشجع التوازن والنمو والعدل، ويكفل مواجهة التحديات في ثلاثة ملفات ابتدائية شائكة وملحة، هي الصحة الكونية وتوظيف الطاقة المستدامة والتحولات الرقمية في شتى الميادين.
غير أن الخلافات التي تعصف بعدد من أبرز ممثلي الصف الأول، على شاكلة الولايات المتحدة وروسيا والصين، لا تبشر بخير كثير يمكن أن تسفر عنه قمة بالي، بل يذهب بعض المتشائمين إلى درجة الإنذار بأنه حتى الحبر على الورق الذي طبع قمماً سابقة لن يكون متاحاً هذه المرة بسبب عجز هذه الأطراف والمتحالفين معها عن التوصل إلى صياغات الحدود الدنيا بصدد غالبية الملفات. ولقد توفر دليل حديث العهد على هذه الخلاصة، في اختتام قمة أسيان قبل أيام من دون بيان ختامي بسبب النزاع حول مضمونه، في لقاء لا يجمع رابطة دول جنوب شرق آسيا فقط بل يمثل خامس أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
ومجموعة العشرين، التي يتوجب التذكير بأنها تضم الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وتركيا والسعودية وجنوب أفريقيا والبلد المضيف أندونيسيا، تمثل من جانبها نحو ثلثَيْ سكان العالم، وما يزيد عن 75٪ من التجارة الدولية، و85٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومنذ سنة 1999 التي سجلت انطلاق الفكرة، تعاقبت القمم سنة بعد أخرى ومعها تراكمت وقائع التقصير أو الفشل أو العجز.
صحيح أن اجتماعات ثنائية محورية، مثل لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الصيني شي جين بينغ يمكن بالفعل أن تسهم في تخفيف الاحتقان بين البلدين، في المدى المنظور أو في المستقبل الأبعد، فتحوّل خلافاتهما إلى تنافس مشروع بدل النزاع المفتوح، إلا أن الصحيح المؤسف في المقابل هو أن آثار الوفاق بين البلدين لن تنعكس على الاقتصاد العالمي أو الاقتصادات النامية بمعدلات إيجابية تماثل أو حتى تقارب منعكساتها على ملفات عالقة بين واشنطن وبكين، حول تكنولوجيا الرقائق والتجارة والطاقة وتايوان، أو حتى الموقف من الغزو الروسي المستمر في أوكرانيا.
وقد تشهد قمم العشرين تركيزاً أكثر على الاقتصادات النامية مع العهدة إلى أمثال الهند والبرازيل باستضافة الدورات المقبلة، الأمر الذي لا يلغي بالضرورة نبوءات المتشائمين حول توصيات الحبر على الورق.
القدس العربي