يشكل أي قرار يدين عدم رغبة طهران في توفير الوصول إلى المواقع المحتملة للتسلح النووي وسيلة فعالة لممارسة الضغط على إيران، لكنه يهدد أيضاً برد فعل من قبلها.
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، سيناقش مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” الذي يضمّ 35 عضواً والذي يعقد اجتماعه الفصلي في فيينا، مسودة قرار قدّمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يطالب بموجبها “الوكالة” الدخول إلى ثلاثة مواقع إيرانية حيث تمّ اكتشاف آثار لليورانيوم. ويُشتبه باستخدام المواقع في عمليات سابقة لتطوير الأسلحة النووية؛ وتزعم طهران أن هذه المواقع ليست ذات صلة بالأسلحة النووية ونفت مراراً وتكراراً القيام بأي [خطوة لإنتاج] سلاح نووي في أي موقع.
وبشكل خاص، تطالب “الوكالة” بشرح سبب “وجود جسيمات يورانيوم بشرية المنشأ”، أي أنها ليست بحالتها الطبيعية (كما هو مذكور في أحدث تقرير لها عن إيران، يتم مناقشته أدناه بصورة مفصلة). وهذا يعني أن نسبة العينات من نظيري اليورانيوم الرئيسيين، “يوارنيوم-238″ و”يورانيوم-235” القابلة للانشطار، لم تكن مماثلة لتلك الخاصة بالعينات الموجودة في الطبيعة (لمزيد من المعلومات حول نسب اليورانيوم والمواضيع التقنية الأخرى، راجع مقال الكاتب بعنوان “التفسير النووي الإيراني“).
وأحد التفسيرات المحتملة هو أنه تمّ تخصيب العينات المكتشفة بشكل اصطناعي. فعند معالجة اليورانيوم ليحتوي على كمية “يورانيوم-235” أكثر من المعتاد (حوالي 5 في المائة، مقارنة بنسبة 0.7 في المائة في اليورانيوم الطبيعي)، فيمكن استخدامه كوقود في مفاعلات نووية. وعند تخصيبه إلى مستوى أعلى بكثير (90 في المائة)، فيمكن استخدامه لصنع سلاح نووي. كما أن اليورانيوم البشري المنشأ قد يعني انتزاع “اليورانيوم-235” منه جزئياً أو كلياً. ومع ذلك، فحتى هذا من شأنه أن يثير التساؤل عما حدث لبقية “اليورانيوم 235″، مع الإشارة ضمنياً إلى أنه كان يحتوي في الأصل على أكثر من الكمية الطبيعية – أي قد تم إثرائه سابقاً. وبدلاً من ذلك، يمكن لليورانيوم المستنفد أن يتأتى من مفاعل يعمل باليورانيوم الطبيعي، في عملية قد تنتج عنها مادة متفجرة نووية أخرى وهي البلوتونيوم. ومن التفسيرات الأخرى أيضاً هي أن العينات البشرية المنشأ تعود إلى دولة أخرى؛ على سبيل المثال، أرسلت باكستان أجهزة طرد مركزي مستعملة إلى إيران.
وما لم يتم تقديم إجابات شافية لهذه الأسئلة، فستبقى عائقاً أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. وحالياً، تطالب إيران وقف تحقيق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ كما عرضت مقابلة مسؤولي “الوكالة” في طهران بعد اجتماع مجلس الإدارة، لكن يُنظر إلى ذلك على نطاق واسع على أنه أسلوب مماطلة. وفي حزيران/يونيو، فصلت السلطات الإيرانية بعض كاميرات المراقبة التابعة لـ”الوكالة” رداً على الضغط المتزايد حول قضايا الامتثال. ويشعر المسؤولون الغربيون بالقلق بشأن الكيفية التي قد يرد بها النظام على الخلاف الحالي، ولا سيما بالنظر إلى أنه قد أظهر استعداده لمضايقة المفتشين الذين يزورون الجمهورية الإسلامية. وللأسف، فإن أي ثغرة في المراقبة قد تجعل الأمر أكثر صعوبة – إن لم يكن مستحيلاً – لإجراء تقييم دقيق للكمية الإجمالية ومستوى التخصيب الإجمالي للمخزونات الإيرانية من اليورانيوم.
وقبل يوم واحد من إعلان مشروع القرار، أصدرت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تقريرها الفصلي عن البرنامج النووي الإيراني. ومن بين النتائج الأخرى، أشارت “الوكالة” إلى ازدياد عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة العاملة، وكذلك كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، وهي خطوة تقنية قصيرة نحو الوصول إلى المواد الصالحة لصنع الأسلحة. وتمتلك إيران حالياً مواد مخصبة بنحو ثمانية عشر مرة أكثر من الحد الأقصى الذي التزمت به بموجب اتفاق عام 2015.
وحتى الآن، لا يبدو أن إيران تبذل جهداً يذكر لصب المواد المخصبة على شكل معدن اليورانيوم الصافي، وهي خطوة ضرورية لصنع قنبلة (نووية). كما تتطلب بعض تصاميم الأسلحة استخدام اليورانيوم المنضب بشكله المعدني بهدف حشر النواة العالية التخصيب في كتلة حرجة.
ويعتبر المسؤولون الغربيون أن تطوير جهاز يمكن لصاروخ حمله سيستغرق نحو عامين، وأن إيران لم تباشر بهذه العملية بعد. لكن كلا التقييمين يشيران إلى اطلاع واسع على قدرات طهران وعملية صنع القرار فيها، وهو ما يبدو غير مرجح. علاوةً على ذلك، من المفترض أن يؤدي تطوير النظام مؤخراً لصواريخ “كروز” كبيرة الحجم إلى إلغاء الحاجة إلى تصميم رأس حربي قادر على تحمل الضغط الناتج عن العودة بسرعة كبيرة إلى الغلاف الجوي – وهي قفزة يمكن أن تُقصِّر الإطار الزمني للتسلح النووي.
وقد لا يحسم اجتماع فيينا أياً من هذه القضايا، لكنه اجتماع مهم. وبصرف النظر عن إضافة عنصر تقني آخر إلى الضغط الدبلوماسي على إيران، فقد يساهم قرار السماح لـ “الوكالة” بالدخول إلى المواقع في حماية وترسيخ اتفاقيات الضمانات التي تم التوصل إليها مع دول أخرى وقّعت على “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”، والتي قد تفكّر في كيفية الرد على التقدم الذي أحرزته إيران من خلال تطوير برامج نووية خاصة بها.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن