إدارة بايدن.. وتحديات ما بعد “تجديد الكونغرس”

إدارة بايدن.. وتحديات ما بعد “تجديد الكونغرس”

تعاني الولايات المتحدة حالة تشرذم تعكسها انتخابات تجديد الكونغرس ونتائجها، التي لن تكون كافية لتصويب المسار، لاعتبارات تتعلق بمزاج الناخب الأمريكي، وانخفاض شعبية بايدن.

كل هذا في ظل صعود كبير للرئيس السابق دونالد ترامب، وبدئه من الآن للاستعداد لانتخابات الرئاسة 2024.

ومن الواضح أن النصف الثاني من عمر الولاية الأولى للرئيس جو بايدن سيكون حاسما، بصرف النظر عما سيجري في الفترة المقبلة من تطورات دراماتيكية متعلقة بعلاقة الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، خاصة أن سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس -بحسب نتائج الانتخابات- ستمثل أداة ضغط قوية على إدارة الرئيس بايدن، واللافت أن الفارق كان ضئيلا بين مرشحي الحزبين، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا وجورجيا ونيفادا وأريزونا وويسكونسن، في حين حصل كثير من مرشحي الحزبين على مقاعد آمنة في دوائر معروف تاريخيا مرجعية ولائها الحزبي في ظل سعي الحزب الجمهوري لاستعادة الأغلبية في مجلس النواب‭.‬

سيستمر التجاذب قائما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بصرف النظر عن التشكيلة الجديدة للمجلسين في ما يخص السياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما في ملفي أوكرانيا وإيران، بالإضافة إلى أزمة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

وداخليا، فإن قضايا الاقتصاد والتضخم والإجهاض تعتبر أهم القضايا في تحديد التصويت للكونغرس، حيث جاء قرار المحكمة العليا بإلغاء حق الإجهاض على المستوى الفيدرالي، وإلغاء قضية “رو ضد وايد”، ما يعطي دفعة قوية وحماسًا للديمقراطيين، خاصة النساء منهم، لزيادة التعبئة الشعبية ضد القرار عبر دفع مؤيدي الإجهاض القانوني للتصويت بأعداد كبيرة.

وهناك قضايا مهمة تشغل ناخبي بعض الولايات، مثل الهجرة في الولايات الحدودية كتكساس وأريزونا وكاليفورنيا ونيو مكسيكيو وفلوريدا، وقضية ارتفاع معدلات الجرائم في كاليفورنيا ونيويورك وماساتشوستس، وقضية التغيرات المناخية في ولايات واشنطن وأوريغون وألاسكا وكاليفورنيا.

كما ستظل حالة الانقسام الحادة بين الشعب الأمريكي جراء أسلوب الشعبوية، الذي يطرحه الرئيس السابق ترامب، ويعمل عليه في خطابه الإعلامي والسياسي، خاصة أن ملف التضخم بكل تعقيداته سيُلقي بتبعاته على ما سيجري في ظل التوقع بأن نتائج الانتخابات ستكون لها تداعيات سلبية على الدولار الأمريكي.. حيث سيقوم الحزب الجمهوري بالضغط لخفض الإنفاق على أنشطة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية مع توجيه الإنفاق نحو زيادة أو تجميد الحد الأقصى للديون.

بالرغم من خروج الاقتصاد الأمريكي من الركود التقني في الربع الثالث من العام الحالي، فإنه من المتوقع أن يشهد أداء الاقتصاد تراجعا في عام 2023 بسبب تشديد السياسة النقدية، خاصة أن الفيدرالي الأمريكي سيرفع سعر الفائدة بوتيرة بطيئة أو سيُفرط في تشديد السياسة النقدية، وبين تلك الاحتمالات قد ينجرف مؤشر الدولار الأمريكي إلى مزيد من الانخفاض.

وستكون لنتائج الانتخابات النصفية أيضًا تداعيات على أجندة بايدن المناخية، حيث ستضيف سيطرة الجمهوريين على الكونغرس صعوبات في تنفيذ الحوافز الضريبية على الطاقة النظيفة والتمويل بموجب قانون خفض التضخم، بالإضافة إلى تدابير مناخية أخرى تعتزم الإدارة وضعها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أن الرئاسة الأمريكية ليست جاهزة للانتخابات حتى عام 2024، لكن نتيجة منتصف مدة بايدن “العامين الأولين” يمكن أن تحدد ما إذا كان بايدن سيترشح لولاية جديدة أم لا، وما إذا كان الرئيس السابق ترامب سيسعى للترشح.

كان ترامب يلمّح إلى أنه ينوي الترشح مرة أخرى، والواضح أنه يريد استخدام الانتخابات النصفية كنقطة انطلاق له، ويعلن خوض الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر المقبل، ويبدأ تنظيم التجمعات الانتخابية في معاقل نفوذ حزبه من الآن، دون انتظار لوقت آخر في ظل وجود شخصيات وازنة في الحزب الجمهوري تتأهب لخوض معركة الانتخابات الداخلية والوقوف في وجه الرئيس السابق ترامب.

الغريب والمثير هو تفضيل دوائر المال والاستثمار الوصول لسيناريو “الحكومة المنقسمة” بعد انتخابات الكونغرس، لأنه سيوفر فرصة لتدخل الجمهوريين في الشأن الاقتصادي، ما يذكّر الأسواق بالفترة الإيجابية التي حققت فيها الأسهم الأمريكية مكاسب كبيرة في عهد الرئيس الجمهوري السابق ترامب.

كما قد يؤدي تحقق سيناريو الحكومة المنقسمة إلى إمكانية صدام بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، حول رفع سقف الدين، وهو ما قد يؤخر إصدار هذا القرار، وسيعتبر إيجابيا للمستثمرين في أسواق الأسهم الأمريكية، بسبب مخاوف أن يؤدي رفع سقف الدين إلى تعثر الولايات المتحدة.

ويرتبط هذا بإشكالية التضخم، الذي يؤثر في كل ناخب، فمنذ أن وصل إلى أعلى معدلاته خلال 40 عامًا في يونيو الماضي، ظل التضخم في صعود، ما نتج عنه ارتفاع الأسعار بنسبة 8.2٪ سنويًا في سبتمبر، وفقًا لآخر تقرير صادر عن وزارة العمل.

أيضا ستؤدي سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب إلى فوائد يجنيها قطاع الطاقة في الولايات المتحدة، إذ يشجع الحزب الجمهوري زيادة إنتاج الطاقة من مصادر تقليدية، مثل الوقود الأحفوري كالنفط والغاز الطبيعي، عكس الديمقراطيين الذين يشجعون الطاقة النظيفة وزيادة الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة.

المتوقع أيضا أن يرتفع الإنفاق العسكري مع فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في الكونغرس، وأن تكون هذه الزيادة المحتملة كبيرة وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، التي تتعرض لها الولايات المتحدة باستمرار الصراع في أوكرانيا، وتصاعد توترات أخرى على صعيد العلاقات مع الصين وقضية تايوان، علاوة على التوترات التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية في الفترة الأخيرة بسبب إطلاق الصواريخ المتبادل في مياه المنطقة بين الكوريتين.

في المجمل، سيكون لانتخابات التجديد النصفي تأثير يتجاوز المشهد الراهن لمدة عامين، فقد كانت رقابة الكونغرس تحت سيطرة الديمقراطيين، ما قلّص حجم الاستجوابات الموجهة للبيت الأبيض، كما جعلوا من أحداث الشغب، التي وقعت 6 يناير، هي المحور الأساسي لتحقيقات الكونغرس.

لكن كل ذلك سيتغير بعد سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، حيث يتوعد الجمهوريون في مجلس النواب بالفعل بعقد جلسات استماع حول العلاقات التجارية لهانتر، نجل الرئيس جو بايدن، بالإضافة إلى التلويح ببدء تحقيقات مفصَّلة في سياسات الهجرة لإدارة بايدن، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وملف جائحة فيروس كورونا.

في كل الأحوال، قضية الانتخابات هذا العام لا تتعلق فقط بالحزب الذي سيمتلك أغلبية الكونغرس، وإنما تتجاوز ذلك إلى أن العديد من مرشحي الحزب الجمهوري، الذين تنافسوا على مناصب سياسية محلية أو مقاعد مجلسي النواب والشيوخ وفاز أغلبهم، يدعمون صراحة ادعاء الرئيس السابق دونالد ترامب بأن الانتخابات الرئاسية عام 2020 “قد سُرقت منه”، وأنه كان سيفوز على بايدن لولا التلاعب في نتائج الانتخابات.

طارق فهمي

العين الاخبارية