الجزائر- تتعرض العلاقات الجزائرية – التونسية إلى اختبار جدي بسبب وضعية معارض سياسي جزائري في تونس مهدد بتسليمه إلى سلطات بلاده. وفيما يعطي التسليم إن تم دفعة قوية لعلاقات الرئيس التونسي قيس سعيد مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، فإن هذه العملية تقابل بتعبئة قوية للمجتمع المدني والحقوقي تحث السلطات التونسية على عدم تسليم الناشط زكريا حناش، وتحذر من تداعيات ذلك على صورة تونس ورئيسها.
ورفعت العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والأهلية في تونس والجزائر عريضة للسلطات التونسية والرأي العام الدولي من أجل الحيلولة دون تسليم الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى بلاده، امتثالا للنصوص والاتفاقيات التي وقعتها تونس، وذلك خشية تعرض المعني إلى انتهاكات أو مساس بحقوقه المادية والمعنوية في حال تسليمه.
وينتظر أن يحرج مصير الناشط الجزائري، الموجود في تونس منذ أغسطس الماضي، العلاقات المميزة بين النظامين السياسيين في البلدين، حيث يسود تقارب لافت بين سعيد وتبون.
مخاوف المنظمات الحقوقية لها ما يبررها حيث قامت تونس في 2021 بتسليم اللاجئ الجزائري بوحفص
ويرى متابعون للملف أن مخاوف المنظمات الحقوقية لها ما يبررها، حيث قامت تونس في العام 2021 بتسليم اللاجئ الجزائري سليمان بوحفص إلى سلطات بلاده نزولا عند طلب جزائري رسمي، رغم ما أثير حينها من لغط حول مدى التزام السلطات التونسية بالتزاماتها الحقوقية والإنسانية والدعوات الموجهة إلى الرئيس سعيد بتأجيل عملية التسليم.
ومنذ قدوم تبون إلى قصر المرادية في 2019، تسعى الجزائر لإيلاء الجارة تونس أهمية قصوى في سياستها الإقليمية، لكن ذلك لم يمنع بعض الدوائر السياسية من الإيحاء بأن الجزائر تستغل الوضع المأزوم في تونس للضغط على الرئيس سعيد بغية كسب دعمه لمواقف الجزائر الإقليمية.
وتعمل نحو خمسين منظمة غير حكومية على التعبئة للدفاع عن حناش، المهدد بالطرد من تونس نحو الجزائر، تلبية لطلب قد يكون تقدم به النظام الجزائري. وفي بيان صحفي مشترك لهذه الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، طالبت السلطات التونسية بعدم تسليم حناش إلى السلطات الجزائرية، داعية الحكومة التونسية إلى احترام التزاماتها الدولية فيما يتعلق بحق اللجوء.
وذكر الموقعون على البيان أن “حناش، وبصفته طالب لجوء، يتمتع بالحماية بموجب اتفاقية جنيف لعام 1951، وبروتوكول العام 1967، واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، التي صادقت عليها تونس، والتي تفرض على السلطات حمايته وعدم إعادته بموجب أيّ ظروف، لاسيما في ضوء خطر السجن التعسفي وسوء المعاملة التي قد يتعرض لها في الجزائر”.
وأضاف البيان “بناء على ذلك، نطالب السلطات التونسية العليا باحترام التزاماتها الدولية فيما يتعلق بالحق في اللجوء والتأكد من أن المدافعين عن حقوق الإنسان يمكنهم القيام بأنشطتهم المشروعة دون عوائق، بغض النظر عن جنسيتهم، بما في ذلك في سياق تعاونها الأمني”.
وأعرب الموقعون عن قلقهم العميق من خطر الإعادة القسرية لحناش، خاصة في ظل الأصداء المتواترة عن وضعية ناشطين استعادتهم الجزائر من عدة عواصم أوروبية وعربية، والتي تزيد من مخاوف الحقوقيين على مصير الناشط المعارض.
وحناش، هو واحد من الناشطين السياسيين المعارضين للسلطة، وأحد الفاعلين في متابعة ونقل أخبار الحراك الشعبي والنشطاء السياسيين، وقد تمت مقاضاته في فبراير الماضي بتهم تتعلق بالمنشورات المهددة للوحدة والسلامة الوطنية ونشر الأخبار الكاذبة والحضّ على التجمهر غير المسلح، وتم إطلاق سراحه بموجب عفو من الرئيس تبون.
ويسيطر الغموض على وضعية حناش، وفيما يجري حديث عن استدعاء وجّه له من محكمة سيدي محمد بالجزائر العاصمة لجلسة استماع في سياق قضيته الأولى، أفادت معلومات من هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك والرأي بإسقاط قاضي التحقيق بالغرفة الخامسة لدى القطب الجزائي المتخصص في محكمة سيدي محمد للتهم الجنائية الموجهة إلى حناش من قبل النيابة في فبراير الماضي، والمتعلقة بنص المادة 87 مُكرر مع الإبقاء على التهم الجنح.
والمادة 87 مكرر من قانون العقوبات المستحدثة عام 2020 ما زالت تثير جدلا كبيرا في الأوساط القانونية والحقوقية، كونها جاءت لمعالجة النشاط الإرهابي الذي تم توسيع مفهومه وممارساته إلى ممارسات سياسية، بما فيها العمل على الوصول إلى السلطة خارج القنوات الدستورية، فضلا عن الانخراط أو العمل مع تنظيمي “رشاد” و”ماك” الانفصاليين.
العرب