طهران- تستعد إيران للسير على خطى تركيا من خلال التدخل العسكري المباشر في شمال العراق في خطوة غير محسوبة قد توّرط طهران في معارك استنزاف طويلة الأجل وتكلفها الكثير من الخسائر خاصة في ظل تضاريس شمال العراق التي عجزت تركيا عن الخروج منها إلى حد الآن.
وهدّد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إسماعيل قاآني أثناء زيارة قام بها الاثنين الماضي إلى بغداد بعملية عسكرية برية في شمال العراق، في حال امتنع الجيش العراقي عن تحصين الحدود المشتركة بين البلدين ضد من سمّاهم بـ”الجماعات الكردية المعارضة”.
وقال مراقبون محليون إن تصريحات قاآني أظهرت استهانة واضحة بالمسؤولين الذين التقى بهم في بغداد، بمن فيهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني والرئيس عبداللطيف رشيد، فضلا عن ثقته التامة بأنّ لا أحد منهم سيتكلم أو يحتج في حضرته خوفا من أن تطالهم يد إيران الطويلة في العراق، فضلا عن أن أغلب المسؤولين هم حلفاؤها خاصة بعد نجاح الإطار التنسيقي المدعوم منها في السيطرة على الحكومة والبرلمان.
والتقى قاآني برئيس الوزراء العراقي وقادة آخرين في تحالف الإطار التنسيقي والرئيس العراقي الجديد، إضافة إلى فصائل ميليشيات مسلحة مدعومة من إيران. وكانت مطالب قاآني من شقين: نزع سلاح الجماعات الكردية المعارضة لإيران في شمال العراق، وتحصين الحدود لمنع التسلل.
وأكد سياسيان شيعيان واثنان من مسؤولي الميليشيات ومسؤول كردي كبير أن قاآني قال “إذا لم تلبّ بغداد المطالب، فإن إيران ستشن حملة عسكرية بالقوات البرية وتواصل قصف قواعد المعارضة”.
وتتهم إيران المعارضة الكردية الموجودة في شمال العراق بالتحريض على الاحتجاجات المناهضة للحكومة في طهران.
ويضع هذا التهديد الإيراني بغداد في مأزق حقيقي، إذ أن هذه هي المرة الأولى التي يهدد فيها مسؤولون إيرانيون علنا بعملية عسكرية برية في بلد تقوده حكومة موالية لطهران.
وتدخل الاحتجاجات التي انطلقت في إيران بعد وفاة شابة كردية إيرانية، مهسا أميني (22 عاما)، شهرها الثاني. وألقت السلطات القبض على الآلاف من المحتجين وقتلت المئات منهم، فيما تلقي طهران باللوم على التدخل الأجنبي بالتحريض على الاحتجاجات.
وشنّت طهران أكثر من مرة هجمات صاروخية استهدفت ما تقول إنها قواعد للمعارضة الكردية داخل العراق، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص وإصابة الكثيرين.
وتنفي أحزاب المعارضة الكردية قيامها بتهريب أسلحة إلى المحتجين، وأن مشاركتها في الاحتجاجات لا تتجاوز الدعم المعنوي، والمساعدة في توفير الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين القادمين من إيران.
وقال سوران نوري، وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، إنه “كان على علم بمطالب طهران”، وأضاف “لم نقم مطلقا بتهريب أسلحة من وإلى أيّ بلد”.
ولم تتخذ حكومة بغداد أيّ إجراء حاسم لوقف الهجمات التي يشنها الأتراك والإيرانيون على الإقليم.
وقال رئيس الوزراء العراقي خلال لقاء مع الصحافيين السبت الماضي في بغداد بهذا الخصوص إن حكومته “ستتخذ كل الإجراءات وفقا للسياقات القانونية الدولية”. وأضاف “نرفض أيّ عدوان من أيّ دولة سواء كانت إيران أو تركيا”.
وانخرطت بعض الجماعات الكردية في صراع منخفض الحدة مع طهران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، مما أدى بالعديد من الأعضاء إلى السعي وراء المنفى السياسي في العراق المجاور حيث أقاموا قواعد لهم.
ويحمل أعضاء المعارضة في العراق بشكل علني أسلحة متوسطة الحجم في القواعد، قائلين إنها للدفاع عن النفس.
ولطالما زعمت طهران أن عملاء الموساد الإسرائيلي ينشطون في المناطق الكردية العراقية.
وفي مارس، أعلنت إيران مسؤوليتها عن وابل صاروخي سقط بالقرب من القنصلية الأميركية في أربيل. وقالت إيران في الوقت الذي كانت تستهدف فيه “مركزا إستراتيجيا” إسرائيليا، نفى مسؤولون أكراد وجود مثل هذا المركز.
وكرر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان تصريحاته عن نظرية المؤامرة في تغريدة، متهماً إسرائيل و”بعض السياسيين الغربيين” بالتخطيط “لحرب أهلية وتدمير وتفكيك إيران”.
وقالت رندة سليم مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط “النظام الإيراني في حالة جنون العظمة”. وأضافت “إنهم يعتقدون اعتقادا راسخا أن الموساد يستخدم الأراضي الكردية وجماعات المعارضة الكردية لإرسال أسلحة (و) مقاتلين إلى المناطق الكردية في إيران.”
وأكدت أن عملية تمشيط في شمال العراق ستدعم الرواية العلنية للنظام بأن قوى خارجية تثير الاضطرابات وستعالج الخلاف المستمر بين إيران والمنطقة الكردية العراقية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي حول أنشطة الجماعات في أراضيها.
العرب