شهدت القدس، صباح أمس الأربعاء، انفجار عبوة ناسفة تم وضعها على دراجة كهربائية في ذروة ساعات السفر داخل محطة الحافلات العامة عند المدخل الرئيسي للمدينة، مما أسفر عن مقتل إسرائيلي وجرح 18 آخرين، وتبع ذلك وقوع انفجار ثان ناجم عن عبوة ناسفة أخرى في حي راموت الاستيطاني أصابت خمسة أشخاص.
يعيد هذا الهجوم ذكرى آخر عملية من هذا النوع، والتي حصلت في القدس أيضا عام 2016، حين انفجرت عبوة ناسفة داخل حافلة إسرائيلية مما أوقع 21 إصابة، كما تذكّر أيضا بعملية التفجير التي حصلت في محطة الحافلات نفسها عام 2011، وأدت لمقتل امرأة وجرح 67 إسرائيليا، كما أن محطات الحافلات في مدن عديدة، بما فيها القدس، شهدت زرع عبوات ناسفة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000.
تحدثت المصادر الإسرائيلية عن كون العبوتين شبه متطابقتين، وأن التفجير تم عن بعد، وكانت إحدى العبوتين محشوة بالمسامير، وأن شرطة الاحتلال تشتبه بأن من قام بهذا الهجوم، «الذي لم يحصل منذ سنوات عديدة»، مهاجمان، وأن هناك «خلية منظمة» تقف وراء الهجوم.
جرى الهجومان ضمن سياق سياسيّ يتمثل في نجاح معسكر بنيامين نتنياهو، مدعوما بائتلاف «الصهيونية الدينية» الذي يقوده النائب العنصري المتطرّف ايتمار بن غفير، ونظيره بتسلئيل سموترتش، وأن الأحزاب المحسوبة على المعسكر تتفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية، وتتنافس الأحزاب العنصرية على حقائب وزارية تسمح لها بممارسة أهدافها المعلنة في تهجير الفلسطينيين، وقمعهم، ونهب أراضيهم، وبناء مستوطنات جديدة عليها، وحسب الأنباء الواردة فإن سموترتش يتجه لتولي منصب وزير الدفاع، وبن غفير منصب وزير الأمن الداخلي، كما يتولى اليميني المتطرّف أريه درعي منصب وزير المالية.
قُدمت ضد بن غفير، زعيم تنظيم «القوة اليهودية»، حتى الآن، خمسون لائحة اتهام، ثماني منها جنائية، وتضم أعمال شغب وتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية، سارع لزيارة موقعي الانفجارين وطالب بتشكيل حكومة إسرائيلية بسرعة «لأن الإرهاب لا ينتظر».
هناك اتجاه متزايد في دولة الاحتلال لجعل إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين، سياسة «طبيعية»، ينفذها محكومون أو متهمون بجرائم، ولا يتعلّق الأمر فقط ببن غفير وسموترتش (وهما محاميان!)، فقد شهدت إسرائيل، سلسلة من الوقائع التي توضح طبيعتها، حيث أدين رئيس وزرائها، إيهود أولمرت بتلقي الرشوة والغش وخيانة الأمانة، وأدين رئيسها الثامن، موشيه كتساف، بجرائم اغتصاب وتحرش جنسي وأفعال شائنة، وهناك ثلاث جرائم في لائحة اتهام نتنياهو.
إذا كان هذا هو مضمون «النخبة الحاكمة» في إسرائيل، فمن المتوقع أن يكون المستوطنون، وعناصر الأحزاب اليهودية المتطرّفة، أكثر شراسة وعنفا وتوحشا وإجراما وازدراء للقوانين في اعتداءاتهم، وهناك اتفاق على أن حجم العنف ضد الفلسطينيين كان استثنائيا هذه السنة، أما جيش الاحتلال فقد شن، منذ آذار/مارس الماضي، أكثر من ألفي عملية ومداهمة، أدت لمقتل أكثر من 125 فلسطينيا، وهي أكبر حصيلة قتل خلال سبع سنوات، حسب الأمم المتحدة.
تظهر أوضاع إسرائيل اتجاها أيضا لنوع من الحرب الأهلية بين معسكرين متكارهين، واستهداف الفلسطينيين وأرضهم وكيانهم التاريخي والعقائدي، ضمن هذا السياق، هو حرف لتلك الحرب الأهلية إلى حرب إبادة، مستترة أو مكشوفة، ضد العرب، لن تكون عمليات التفجير الأخيرة، سوى جزء من ذلك السياق الكبير.
القدس العربي