أنقرة – أثار التزامن بين تهيؤ قطر لمنح تركيا تمويلا ماليا قد يبلغ 10 مليارات دولار وبين الوديعة السعودية بقيمة 5 مليارات دولار التي تم الإعلان عنها منذ يومين التساؤل عن مغزى الخطوة القطرية؛ هل أن غايتها إنقاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل انتخابات يونيو من العام القادم؟ أم أنها تندرج في إطار سباق نفوذ بين قطر والسعودية؟
ولا تشعر قطر بالارتياح لانفتاح حليفها أردوغان على السعودية والإمارات ومصر، خاصة أنها كانت أكبر مستفيد من التوتر بين تركيا والدول الثلاث، حيث ضمنت تركيا في صفها في أهم مفاصل الخلاف بينها وبين الدول التي قاطعتها، وفتحت أراضيها أمام القوات العسكرية التركية، وتحالفت مع أنقرة في كل الهجمات الإعلامية على السعودية بعد حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن قطر تخاف من إمكانية أن ينتقل أردوغان إلى صف السعودية في أي أزمة قادمة، خاصة أن الرئيس التركي متقلب ويربط صداقاته بحسب مصالحه وما تجلبه العلاقات من تمويلات واستثمارات.
وبالرغم من أن التمويلات والصفقات والاستثمارات التي قدمتها قطر في السابق وتقدمها حاليا أكبر من العروض السعودية، إلا أن الدوحة تعرف أن الرياض أكثر ثقلا دبلوماسيا واقتصاديا ودينيا، وأن أردوغان إذا وجد نفسه أمام ضرورة المفاضلة بين العاصمتين فسيختار الرياض دون تردد رغم العلاقة الوطيدة التي تلوح بينه وبين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
لدى قطر تخوفات من أن ينتقل أردوغان المتقلب والبراغماتي إلى صف السعودية في أي أزمة قادمة بين البلدين
ويعتقد المتابعون أن اقتراح قطر ضعف ما عرضته السعودية على أردوغان، لمساعدة تركيا على مواجهة أزمتها المالية والاقتصادية الحادة، هدفه التذكير بأن الدوحة هي الشريك الذي يدفع أكثر ويجده أردوغان وقت الأزمات، خاصة أنه سيخوض غمار انتخابات معقدة قد يخسر فيها هو وحزبه بفعل مخلفات الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعود في جانب منها إلى مواقفه السياسية الحادة التي وسعت دائرة أعدائه وحمّلت تركيا أعباء كثيرة.
وصرح متحدث باسم وزارة المالية السعودية الثلاثاء بأن تركيا تجري مباحثات وصلت إلى مرحلتها النهائية مع الرياض بشأن إيداع السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وأوحت هذه الخطوة بأن الرياض ساعية لإخراج أردوغان من عنق الزجاجة وإنقاذ شعبيته، وخاصة توفير دعم قوي له في الانتخابات المقررة في يونيو 2023، والتي تُبيّن المؤشرات أنه سيدخلها في وضع هو الأسوأ قياسا بالانتخابات السابقة التي شارك فيها هو وحزبه العدالة والتنمية.
وإذا أضفنا إلى وعد الوديعة السعودي وسخاء قطر المنتظر تجاه تركيا تعهدات أخرى سابقة، فإن أردوغان سيجد في الدعم الخليجي منقذا له من أزماته بغض النظر عن مواقفه واستهدافه السعودية على وجه الخصوص بحملات عدائية مجانية.
وقال مسؤولان تركيان كبيران ومصدر لرويترز إن “تركيا وقطر في المراحل النهائية من محادثات ستقدم بموجبها الدوحة لأنقرة تمويلا يصل إلى 10 مليارات دولار، من بينها نحو 3 مليارات دولار بحلول نهاية هذا العام”.
وأفاد أحد المسؤولين بأن إجمالي التمويل قد يتخذ شكل مبادلة أو سندات دولية أو أي طريقة أخرى، مشيرا إلى أن الزعيمين التركي والقطري ناقشا هذه المسألة.
ومن شأن هذا التمويل أن يعزز احتياطيات النقد الأجنبي لدعم سياسة أردوغان غير التقليدية بخصوص خفض أسعار الفائدة، إلى جانب إجراءات تحفيز أخرى رغم ارتفاع التضخم وتراجع الليرة.
ومع إحجام الدول الغربية عن الاستثمار في تركيا تحولت أنقرة إلى الدول “الصديقة” لتوفير الموارد الأجنبية من أجل دعم سياستها ومساندة الليرة من خلال تحقيق التوازن بين العرض والطلب على العملات الأجنبية.
وهناك بالفعل صفقة مبادلة بين البنك المركزي التركي ونظيره القطري، كانت قيمتها في الأصل 5 مليارات دولار، لكنها تضاعفت ثلاث مرات في عام 2020 لتصل إلى 15 مليار دولار.
وقال المسؤول الأول “المحادثات مع قطر لتقديم موارد جديدة إلى تركيا بلغت مرحلتها النهائية. ومن المتوقع أن تكون بحد أدنى قدره 8 مليارات دولار، لكنها قد تصل إلى 10 مليارات دولار”.
وأضاف “سيتم الحصول على 2 إلى 3 مليارات دولار بحلول نهاية هذا العام والبقية يتم تحصيلها في العام القادم. وقد يكون هذا في صورة مبادلة أو سندات دولية، إنهم يتناقشون بشأن عدة طرق. وهناك توافق متبادل”.
9مليارات دولار اقترضتهم وزارة المالية التركية في 2022، من إجمالي 11 مليار دولار
وأوضح المسؤول التركي الثاني أن المحادثات المتعلقة بتوفير تمويل يتراوح بين 2 و3 مليارات دولار هذا العام تتركز على السندات الدولية.
وتربط بين قطر وتركيا علاقات وطيدة. وقدمت أنقرة الدعم إلى الدوحة عندما قاطعتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر عام 2017 بسبب خلاف تم حله في مطلع العام الماضي.
وزار أردوغان قطر هذا الأسبوع لحضور حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم، فيما التقى وزير المالية التركي نورالدين نباتي بنظيره القطري علي بن أحمد الكواري في الشهر الماضي.
واقترضت وزارة المالية التركية 9 مليارات دولار في 2022، من إجمالي 11 مليار دولار من الاقتراض الخارجي المتوقع لهذا العام.
وتتوقع الوزارة أن يصل الاقتراض الخارجي في 2023 إلى 10 مليارات دولار، إلا أن بإمكانها استعجال إصدار الديون إذا دعت الحاجة إلى تمويل مبكر.
ولدى أنقرة بالفعل صفقات مبادلة عملات بقيمة 28 مليار دولار مع كل من الإمارات والصين وقطر وكوريا الجنوبية. وتشير تقديرات المصرفيين إلى أن نحو 23 إلى 24 مليار دولار منها موجودة بالفعل في احتياطيات البنك المركزي التركي.
وبدلا من صفقات المبادلة أصبح المركزي التركي يفضل مؤخرا حسابات الإيداع، التي تتضمن دخول الدولار أو اليورو إلى النظام بدلا من العملات المحلية.
العرب