الخوف من الكوليرا يدفع اللبنانيين إلى الإقبال على المزروعات العضوية

الخوف من الكوليرا يدفع اللبنانيين إلى الإقبال على المزروعات العضوية

تباع المزروعات العضوية بأسعار مرتفعة مقارنة بمثيلاتها من الزراعة التقليدية، إلا أن العديد من العوامل تدفع كثيرا من اللبنانيين هذه الأيام نحو هذا الخيار، لما في ذلك من منافع صحية. فضلا عن أنها منتجات تنمو طبيعيا بعيداً عن الأسمدة والمبيدات المصنعة كيميائيا.

بيروت – تشجّع التقارير المتزايدة حول تلوث مياه الري الكثيرين على البحث عن مصدر نظيف لغذائهم. ولهذا شكّل الإقبال المتزايد على شراء المزروعات العضوية في لبنان، لتصبح لها أسواق ومتاجر مخصصة في العاصمة بيروت، مشهداً يناقض الواقع الاقتصادي الصعب الذي يرزح تحته البلد.

وكانت تحذيرات وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، التي نشرت مؤخراً، من تفشٍ واسع للكوليرا بسبب ري المزروعات في بعض المناطق بمياه ملوثة سبباً مباشراً لخلق حالة هلع من تناول تلك المنتجات الزراعية.

تلوث غير مسبوق
المشاريع المخصصة لرفع التلوث عن مياه لبنان لم يُنفذ منها سوى 6 إلى 7 في المئة فقط، على الرغم من توفر مصادر التمويل

ويعاني نهر الليطاني الأطول في البلاد من تلوث حاد، وفقا لتقارير رسمية، ما أفقده دوره الرئيسي في ري الأراضي الزراعية المحيطة به بشكل سليم وصحي.

ورصدت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، طيلة الأعوام الماضية، مزارعين يروون مزروعاتهم من مياه النهر شديدة التلوث في منطقة البقاع الأوسط في نطاق بلدة بر الياس. ومنذ العام 2018 وهذه المصلحة تلاحق مشكلة تلوث مياه الليطاني، نظراً إلى إهمال الدولة اللبنانية لقطاع الصرف الصحي، فالمشاريع المخصصة لرفع التلوث عن نهر الليطاني عبر إنشاء شبكات صرف صحي ومحطات تكرير لم يُنفذ منها سوى 6 إلى 7 في المئة فقط، على الرغم من توفر مصادر التمويل من جهات محلية ودولية.

وتعود مشكلة تلوث مياه الليطاني إلى استمرار تدفق مياه الصرف الصحي إلى النهر وروافده بشكل غزير يصل سنويًا إلى حدود 47 مليون متر مكعب. الأمر الذي أدى إلى تلوث التربة ومياه الري، لأن مصادر مياه الري في البقاع اللبناني تعتمد على المياه السطحية والمياه الجوفية، والمياه السطحية هي الأكثر تلوثًا.

تعتمد الزراعة العضوية على استخدام الطرق البيولوجية والميكانيكية بدلاً من المواد المصنعة، ما يؤمّن إنتاجا زراعيا سليما وآمنا ويحافظ على البيئة ويضمن استدامة الموارد الطبيعية.

ووفقا لبيانات وزارة الزراعة يوجد نحو 150 مؤسسة حائزة على تراخيص تخوّلها إنتاج مزروعات بطريقة عضوية.

وبناء على قانون تنظيم الزراعة العضوية، تمنح الوزارة شهادات وتراخيص للمؤسسات التي تطبّق الشروط والمواصفات المطلوبة، ووفقاً لتقييم ومراقبة من شركات عالمية متخصصة في هذا المجال.

مع أن الإقبال على شراء هذا النوع من المزروعات يتزايد إلا أن نسبة الأراضي المزروعة بها لا يزال ضئيلا جدا مقارنة بالزراعة التقليدية.

لذلك تسعى وزارة الزراعة إلى تحسين القدرة التنافسية للزراعة العضوية وزيادة مساحة الأراضي العضوية حتى تصل إلى 5 في المئة من إجمالي الإنتاج الزراعي.

ولا تستخدم في الزراعة العضوية المبيدات الحشرية، إنما تتم مكافحتها بطرق يدوية أو بيولوجية، كما يجب أن تكون خالية من المواد الكيميائية الاصطناعية والمواد المعدلة جينيا وترسبات مياه الصرف الصحي.

وتقول سهى هيدموس، التي تفضل شراء منتجات زراعية عضوية، إنها تقصد كل أسبوع سوقاً مخصصة لبيع المنتجات الزراعية العضوية في منطقة مار مخايل في بيروت.

وتضيف هيدموس، في حديث لوكالة الأناضول، أنها تشتري الخضار من هذا السوق لعلمها بأنها غير ملوثة ومروية بمياه نظيفة، كما أنها تتغذى بشكل طبيعي بعيدا عن الكيميائيات.

أما بالنسبة إلى الأسعار فأشارت إلى أنها أغلى من أسواق ومحلات منتجات الزراعة التقليدية، لكن النوعية والطعم تعوض عن ذلك، لكنها تستحق هذا السعر.

ومع أن الإقبال أصبح لافتا مؤخرا على شراء المزروعات العضوية إلا أن هذا النوع من الزراعة ليس جديدا، إنما بدأ في التسعينات، وفق مريم عيد، رئيسة مصلحة الصناعات الزراعية بالوزارة.

وتقول عيد “هناك قوانين ومواصفات قياسية وضعتها الوزارة، تُنظم وتتحكم بهذا النوع من الزراعة، ما يعكس اهتماماً حكومياً بها”.

وأضافت “نعتبر أن هذه الزراعة قيمة مضافة للمنتجات اللبنانية، وتساعد على رفع قيمة المنتجات في الأسواق المحلية والخارجية”.

وأشارت عيد إلى وجود شركات خاصة تراقب هذا النوع من الزراعات، من أجل الحفاظ على جودتها وتطبيق المعايير من مرحلة الزرع إلى التسويق.

ويتوجه طارق رباح، أحد المزارعين الحاصلين على شهادة وترخيص وزارة الزراعة لإنتاج مزروعات عضوية، إلى مزرعته صباح كل يوم للاعتناء بأرضه وفق الشروط والمعايير اللازمة.

ويلفت رباح إلى أن “الزراعة التقليدية تقوم على زراعة الأراضي من صنف واحد، أما العضوية فتعتمد على تنويع الزراعات ضمن الأرض الواحدة، ما يؤمّن توازنا طبيعيا وحيويا”، مضيفاً أن “زراعة الأرض بصنف واحد أمر غير محبب سواء للطبيعة أو للمحصول، لذلك فإن الزراعة الناجحة، لاسيما العضوية، هي التي تعتمد على تنويع المنتجات”.

ويشرح رباح عن الأصناف التي تقوم عليها مزرعته بالقول “نزرع الطماطم والخيار وكل أنواع الورقيات مثل الخس والبقدونس، وننتج حوالي 100 نوع من الخضار بطريقة عضوية وفقا لكل موسم”. معتبراً أن الزراعة العضوية بهذه الطريقة ”لها طعم آخر، فضلا عن أنها صحية وغير ملوثة، أما أسعارها فمرتفعة بنحو ضعف أسعار المنتجات التقليدية”.

وعن فوارق الأسعار يبيّن رباح أن ذلك يعود لكون المزروعات العضوية تتطلب اهتماما أكبر، خصوصا عند العناية بها وحمايتها من الحشرات والأمراض من دون استخدام سموم ومبيدات كيميائية.

وفي المزرعة ذاتها، خصص رباح، قسما للزراعة المائية، حيث يلقى هذا النوع أيضا إقبالا لافتا، لأنها تتميز بأنها تنبت في مياه نظيفة بعيدة عن تلوث التربة.

وتعتمد هذه التقنية في الزراعة على المياه فقط من دون الحاجة إلى التربة، كما تستخدم فيها عناصر طبيعية ودون مركبات كيميائية.

العرب