لا تزال الولايات المتحدة تعتبر “الشريك المفضّل” لدول الخليج التي تعتمد عليها لأمنها، إلا أن المملكة العربية السعودية بدأت تضع سياسة خارجية جديدة تخدم تحوّلها الاقتصادي الوطني، ومن بين تلك الاتجاهات الجديدة في النهج السياسي السعودي اللافت، تبرز العلاقات السعودية – الصينية التي يرى البعض أن تعزيزها أكثر قد يؤدي إلى المزيد من الفتور في علاقات الرياض بواشنطن.
الرياض – سيستضيف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الزعيم الصيني شي جين بينغ هذا الأسبوع في مرحلة حساسة في العلاقات الأميركية – السعودية، مما يشير إلى تصميم الرياض على الإبحار في نظام عالمي مستقطب بغض النظر عن رغبات حلفائها الغربيين.
وقد أبدى الأمير محمد تحديا في مواجهة غضب الولايات المتحدة بشأن سياسة الطاقة التي تنتهجها المملكة والضغط من واشنطن للمساعدة في عزل روسيا.
وفي استعراض للقوة كزعيم طموح للعالم العربي، سيجمع الأمير محمد أيضا حكاما من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحضور قمة صينية – عربية، خلال زيارة الرئيس شي المتوقع أن تبدأ الثلاثاء.
ويقول أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا، إن “الرياض تعمل وفق حسابات إستراتيجية لابد وأن تستوعب بكين، لأنها الآن شريك اقتصادي لا غنى عنه”.
ويقول محللون إن على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك المفضل لدول الخليج التي تعتمد عليها لأمنها، فقد بدأت الرياض تضع سياسة خارجية تخدم تحولها الاقتصادي الوطني مع ابتعاد العالم عن الهيدروكربونات، شريان الحياة للسعودية.
ويبيّن كامل أن هناك بالتأكيد خطرا بأن يؤدي تعزيز العلاقات مع الصين إلى نتائج عكسية وإلى المزيد من الانقسام في العلاقات الأميركية – السعودية.
وتأتي زيارة شي في وقت تراجعت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى أدنى مستوياتها، ومع تأثير الغموض على أسواق الطاقة العالمية، بسبب فرض الغرب حدا أقصى لأسعار النفط الروسي، وفي الوقت الذي تتابع فيه واشنطن بقلق تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط.
سياسة خارجية مستقلة
زيارة شي تأتي في لحظة حساسة في العلاقات الأميركية – السعودية، وسط أنباء عن استقبال مشابه لاستقبال ترامب
في علامة على الغضب من الانتقادات الأميركية لسجل الرياض في مجال حقوق الإنسان، قال الأمير محمد لمجلة “ذا أتلانتك” في مارس إنه لا يهتم بما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أساء فهم أمور تتعلق به، مضيفا أن على بايدن التركيز على مصالح أميركا.
كما أشار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية في الشهر نفسه إلى أن الرياض رغم أنها تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن، فيمكنها أيضا أن تختار تقليص مصالحها واستثماراتها في الولايات المتحدة.
وتعمل السعودية على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين. فالرياض أكبر مورد للنفط للصين على الرغم من أن روسيا العضو، أيضا مثل السعودية، في مجموعة أوبك+ زادت حصتها في السوق الصينية بوقود منخفض السعر.
وتضغط بكين أيضا لاستخدام عملتها اليوان في التجارة بدلا من الدولار الأميركي. وسبق أن هددت الرياض بالتخلي عن بعض تعاملات النفط بالدولار لمواجهة قانون أميركي محتمل يعرّض أعضاء أوبك لدعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار.
ويشير دبلوماسيون في المنطقة إلى أن شي سيحظى باستقبال فخم على غرار ما حدث مع الرئيس السابق دونالد ترامب عندما زار المملكة في العام 2017، على النقيض من الزيارة غير الملائمة التي قام بها بايدن في يوليو، والتي كانت تهدف إلى إصلاح العلاقات مع الرياض.
الرياض بدأت تضع سياسة خارجية تخدم تحولها الاقتصادي الوطني مع ابتعاد العالم عن الهيدروكربونات، شريان الحياة للسعودية
ومن المنتظر أن يوقّع الوفد الصيني العشرات من الاتفاقيات مع السعودية ودول عربية أخرى، تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات.
ويركز الأمير محمد على تنفيذ خطة التنويع الخاصة برؤية 2030 لإنهاء اعتماد الاقتصاد على النفط من خلال إنشاء صناعات جديدة، من بينها تصنيع السيارات والأسلحة، وكذلك الخدمات اللوجستية، على الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتسم بالبطء.
من جهة ثانية، تستثمر السعودية بشكل كبير في البنية التحتية الجديدة والمشاريع العملاقة في السياحة والمبادرات، مثل منطقة نيوم التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، في ما يمثل ربحا كبيرا لشركات البناء الصينية.
وتؤكد السعودية وحلفاؤها الخليجيون أنهم سيواصلون تنويع الشراكات لخدمة المصالح الاقتصادية والأمنية، على الرغم من تحفظات الولايات المتحدة بشأن علاقاتهم مع كل من روسيا والصين.
ويرى جوناثان فولتون من “أتلانتك كاونسل” أن الأمير محمد يريد أن يثبت لمؤيديه في الداخل أن الرياض مهمة للعديد من القوى العالمية. ويضيف فولتون “ربما يشير إلى الولايات المتحدة أيضا، ولكنه مهتم بشكل أكبر بما يراه الناس داخل المملكة”.
توعد بايدن “بعواقب” بالنسبة للرياض بعد خطوة أوبك+ بشأن الإنتاج، ولكن واشنطن أكدت بعد ذلك دعمها لأمن المملكة مع تشديد المسؤولين الأميركيين على “الميزة النسبية” للولايات المتحدة في بناء هياكل دفاعية متكاملة في الخليج.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحافيين الأربعاء إن واشنطن تريد التأكد من أن علاقتها “الإستراتيجية” مع الرياض تحقق “أفضل مصالحنا”.
وأبدت واشنطن قلقها بشأن استخدام دول الخليج العربية تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية واستثمارات بكين في البنية التحتية الحساسة مثل الموانئ، بما في ذلك في دولة الإمارات التي أوقفت مشروع ميناء صيني بسبب مخاوف الولايات المتحدة.
وبينما تشتري الرياض وأبوظبي معدات عسكرية صينية، وقّعت شركة سعودية صفقة مع شركة صينية لتصنيع طائرات مسيّرة مسلحة في المملكة.
المحلل السعودي عبدالعزيز صقر رئيس مركز “الخليج” للأبحاث ومقره الرياض، قال لتلفزيون الشرق السعودي إن الدول العربية تريد إبلاغ الحلفاء الغربيين بأن لديها بدائل وأن علاقاتهم تستند في المقام الأول إلى المصالح الاقتصادية.
أما جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز “واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية”، فإنه ذهب إلى أن العلاقات السعودية مع الصين على الرغم من أنها تنمو “بسرعة أكبر بكثير” من العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن العلاقات الفعلية ليست مماثلة، مضيفا أن “العلاقات مع الصين تتضاءل مقارنة بالعلاقات مع الولايات المتحدة من حيث التعقيد والألفة”.
العرب