صفقة الغاز القطرية برعاية أميركية لا تعوض لألمانيا مزايا الغاز الروسي

صفقة الغاز القطرية برعاية أميركية لا تعوض لألمانيا مزايا الغاز الروسي

برلين- رغم توصلها إلى اتفاق غاز مع قطر بمليونيْ طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، على مدى 15 عاما، مازالت ألمانيا تشعر بأن هذه الصفقة لا تستطيع أن تعوض حصولها على الغاز الروسي؛ وذلك لعدة اعتبارات من بينها أنه قريب جغرافيا ومربح اقتصاديا ولا يحتاج إلى وساطات وتدخلات، بالرغم من حجم القلق السياسي الذي يصاحبه خصوصا بعد تفجر الصراع بشأن تمدد حلف الناتو واندلاع الحرب مع أوكرانيا.

وظلت ألمانيا -وإلى وقت قريب من بداية الحرب في أوكرانيا- مدافعا قويا عن فتح خط أنابيب نورد ستريم2 رغم الخلافات مع روسيا على الكميات، والخلاف مع الولايات المتحدة بشأن خيار العقوبات التي لم تكن برلين ترى فيه الطريق الأسلم لدفع روسيا إلى تغيير موقفها من أوكرانيا.

وكان من المؤمل أن يضاعف خط أنابيب نورد ستريم2 شحنات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا، أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي. ودافع الألمان عن هذا الخط لأنه كان سيضمن لهم مصدرا أكثر استقرارا وثقة وفاعلية من حيث الكلفة.

◘ شركة قطر للطاقة وقّعت مع شركة “كونوكو فيليبس” اتفاقيات من شأنها أن ترسل من الدولة الخليجية ما يصل إلى مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا إلى ألمانيا، اعتبارا من 2026

ووجد الألمان أنفسهم يقفون في وجه تلويح الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول التي ستشارك في مشروع بناء الأنبوب الروسي باعتماد قانون “مكافحة أعداء أميركا عبر العقوبات”.

ولم تكن برلين متحمسة للحرب في البداية. ولئن غيرت موقفها نسبيا بإظهار دعمها لأوكرانيا ضمن مسؤوليتها كعضو في الاتحاد الأوروبي فإنها ظلت تتمسك بالحوار طريقا للوصول إلى حل بين روسيا وأوكرانيا، وهو الموقف الذي عكسه محتوى تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتس بعد اتصاله بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام.

ويعرف الألمان أن بلادهم، ومن خلفها أوروبا، أكثر المتضررين بينما تبدو الولايات المتحدة بعيدة عن الحرب ومستفيدة منها بشكل كبير، فهي تبيع أسلحة إلى أوكرانيا بمال أوروبي، والمخاطر يتحملها الأوروبيون قبل غيرهم.

وبالتوازي مع الضغط على الأوروبيين للتخلي عن الغاز الروسي أصبحت واشنطن تبيعهم الغاز بأسعار مضاعفة، وأحيانا يصل السعر إلى أربعة أضعاف، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وصف ذلك بالمعايير المزدوجة. كما استفادت واشنطن من الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها الكبيرة على الاقتصاديات الأوروبية من خلال صعود الدولار على حساب اليورو.

وعلى الرغم من أن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك صرح بأنه سعيد بالصفقة مع قطر وبمدتها، إلا أنه أشار ضمنيا إلى أن هذه الصفقة لا تلبي ما ستحتاجه ألمانيا وأوروبا من طاقة بالتوازي مع استمرار القيود المفروضة على الإمدادات الروسية.

ومن المحتمل أن تتزايد ضغوط الإمدادات في القريب العاجل، نظرا إلى اتفاق مجموعة الدول السبع على سقف يقدر بـ60 دولارا لبرميل النفط الروسي المنقول بحرا ورد فعل موسكو المحتمل على ذلك.

ويقول خبراء في الميدان إن واشنطن نجحت في تمرير هذه الصفقة لتفيد شركاتها العاملة في قطر، حيث تمتلك شركة كونوكو فيليبس الأميركية نسبة 3.125 في المئة من مشروع حقل الشمال الشرقي الرئيسي في قطر ونسبة 6.25 في المئة من مشروع حقل الشمال الجنوبي، الذي من المقرر أن يبدأ في 2026 و2027 على التوالي.

ونجحت قطر -التي لجأت إلى المناورة في البداية وامتنعت عن تزويد ألمانيا بالغاز- في فرض اتفاق طويل المدى بدلا من اتفاق محدود كما كانت تريد ألمانيا التي تراهن على نهاية وشيكة للحرب والعودة إلى الاعتماد على الغاز الروسي.

ولا يهم الدوحة إن كان الاتفاق سيربط ألمانيا بمدة طويلة أم أنه قد يزعج روسيا، فما يهمها أن تكسب المال في كل الأحوال. ومثلما أن روسيا تبيع الغاز لألمانيا، فما الذي يمنع قطر من أن تبيع لألمانيا ولغيرها من الأوروبيين وفق شروطها.

ويرى الكاتب في موقع أويل برايس سيمون واتكينز أن من منظور مشتري الطاقة في أوروبا لن تسمح لهم واشنطن بالعودة إلى الوضع الذي تموّل فيه القارة، وزعيمتها الفعلية ألمانيا، اقتصاد روسيا من خلال وارداتها الضخمة من الغاز والنفط.

ويضيف واتكينز أن واشنطن بهذا ترسل رسالة واضحة مفادها أنه لا مزيد من الصفقات واسعة النطاق مع روسيا في المستقبل، حتى لو انسحبت موسكو من أوكرانيا، وأن الأوروبيين يمكنهم وضع ثقتهم ومستقبل طاقتهم في أيدي الولايات المتحدة.

وقال وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي قبل أسبوع إن شركة قطر للطاقة وقّعت اتفاقية مع ألمانيا لتزويدها بالغاز الطبيعي لمدة 15 عاما تبدأ اعتبارا من 2026.

◘ الألمان يعرفون أن بلادهم، ومن خلفها أوروبا، أكثر المتضررين، بينما تبدو واشنطن بعيدة عن الحرب ومستفيدة منها

وذكر الكعبي أن شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة وقّعت مع شركة “كونوكو فيليبس” اتفاقيات من شأنها أن ترسل من الدولة الخليجية ما يصل إلى مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا إلى ألمانيا، اعتبارا من 2026.

وستستمر الصفقة لمدة 15 عاما على الأقل، بحسب الوزير، الذي يشغل كذلك منصب الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة.

وستتولى “كونوكو فيليبس” توريد الغاز من مشروعيْ حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي إلى ألمانيا، وبالتحديد إلى محطة “برونزبوتل” للغاز الطبيعي المسال الجاري تطويرها في شمال ألمانيا.

وهذه الاتفاقية هي من الاتفاقيات طويلة الأمد القليلة التي توقعها دولة أوروبية، فلطالما كانت دول التكتل ترفض توقيع عقود طويلة الأجل، وتكتفي بعقود الشراء الفورية.

ويبدو أن ألمانيا تسارع إلى الحصول على إمدادات آمنة من الغاز الطبيعي للسنوات المقبلة، في ظل تزايد المخاوف من ارتفاع الطلب على مصادر الطاقة، بشكل أكبر بكثير من نمو المعروض.

العرب