أفضت سلسلة اجتماعات عقدتها قوى مدنية عراقية مختلفة خلال الأسابيع الماضية، إلى أهمية التحضير المبكر للانتخابات المقبلة بغض النظر عن موعد إجرائها، هي التي سبق لها أن قاطعت انتخابات العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021. وأبرز تلك القوى الحزب الشيوعي العراقي.
وحصلت “العربي الجديد” على معلومات من داخل الاجتماعات التي عقدت في بغداد والناصرية والنجف والكوت وبابل، تُفيد بأن هذه القوى اتفقت على أن لا تكون التظاهرات سلاح المدنيين الوحيد في مواجهة القوى التقليدية الحالية الممسكة بزمام السلطة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
ووفقاً لثلاثة ناشطين مدنيين بارزين، أحدهم عضو في حراك مدني واسع بمدينة النجف جنوبي البلاد، فإن التحضير للانتخابات المقبلة سيبدأ منذ الآن. غير أن هذه القوى لم تحسم قرارها بالدخول في جبهة واحدة تمثّل جميع القوى والتيارات والحركات المدنية والعلمانية في عموم المدن العراقية، أو ضمن قوائم متعددة وتتحد لاحقاً داخل البرلمان. ومن بين أسباب عدم حسم ذلك هو انتظار معرفة قانون الانتخابات الجديد وطريقة تقسيم الدوائر الانتخابية.
الشارع ناقم على القوى السياسية
في هذه الأثناء، قال مصدر، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن “الشارع العراقي ناقم على القوى السياسية الدينية والطائفية وكل من جاء مع الأميركيين بعد عام 2003، لذا فإن الفرصة مناسبة لبروز وجوه جديدة داخل العملية السياسية وبأصوات الشارع العراقي”.
وأضاف: “القوى المدنية تنقصها القدرة في مواكبة إعلام الأحزاب التقليدية وإمكانياتها المادية، لذلك من المهم البدء منذ الآن في تهيئة الشارع واختيار مرشحين مشهود لهم بالنزاهة ويحظون بتأييد سكان المدن التي سيترشحون عنها”.
وأشار تحالف “قوى التغيير الديمقراطية”، الذي يضم عدة أحزاب، أبرزها الحزب الشيوعي العراقي، والبيت الوطني، وعشرات الناشطين والصحافيين والقيادات البارزة في المجتمع المدني، في بيان الأسبوع الماضي، عقب اجتماع له عقد في مبنى الحزب الشيوعي، إلى أن “المنهاج (البيان الحكومي) ثبّت إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة خلال عام من تشكيل الحكومة”.
وأضاف البيان: “هذا ما ندعو إلى الالتزام به وعدم تسويفه، وأن يتم التحضير للانتخابات المبكرة بما يؤمّن مشاركة شعبية واسعة فيها، من خلال تشريع قانون انتخابي تشترك في إعداده جميع القوى السياسية داخل وخارج البرلمان والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بما يحقق إجماعاً وطنياً عليه”.
ودعا البيان إلى “ضمان استقلالية مفوضية الانتخابات، لا في مجلسها الأعلى فحسب، بل في جميع مفاصلها الإدارية، بما يجعلها قادرة على إدارة عملية انتخابية نزيهة، وتطبيق قانون الأحزاب بما يمنع المال السياسي الفاسد والسلاح السياسي من التأثير على نتائجها”.
وصوّت مجلس النواب العراقي، في 27 أكتوبر الماضي، على برنامج العمل الوزاري الذي أعده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ومن أبرز ما تضمنه ذلك المنهاج: “إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وتعديل قانون الانتخابات النيابية العامةخلال 3 أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام”.
ومن المفترض أن يُنجز مشروع تعديل قانون الانتخابات قبل نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، ويصوّت عليه البرلمان. غير أن سياسيين ومراقبين يُشيرون إلى أن هذا التعديل سيُحدث جدلاً بين القوى السياسية، بسبب الخلاف على آلية عد وفرز الأصوات إلكترونياً أو يدوياً، إضافة إلى توزيع الدوائر الانتخابية، ومسألة انتخابات العراقيين في الخارج الذين تم حرمانهم من الاقتراع في الانتخابات الماضية”.
تحالف “قوى التغيير الديمقراطية” لم يحسم خياره
في هذه الأثناء، قال عضو تحالف “قوى التغيير الديمقراطية” محمد سليم، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “معظم أطراف التحالف تستعد للانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) والبرلمانية المبكرة، لإحداث تغيير في شكل العملية السياسية التي تسيطر عليها حالياً قوى السلاح وتتحكم في مقدراتها”.
كما وصف حكومة السوداني بأنها “كانت بمثابة صدمة للقوى المدنية التي كانت تنتظر حكومة من خارج منظومة السلاح والمحاصصة الحاكمة في البلاد، وأثبتت (هذه الحكومة) أن الأحزاب التقليدية تواصل خداع العراقيين بالوعود”.
وأشار إلى أنه “حتى المنهاج الوزاري للحكومة أهمل ملفات مهمة منها قتلة المتظاهرين والصحافيين وقادة الرأي، الذين ما زالوا بلا محاسبة ويُمارسون أدواراً شريرة ضد الحراك الشعبي والوطني”.
وأضاف سليم أن “فكرة التحالف حالياً هي تقوية التنظيمات الخاصة بالأحزاب الجديدة، مثل البيت العراقي والبيت الوطني والوعد العراقي، وزيادة الاحتكاك بالمطالب الشعبية”.
محمد سليم: لغاية الآن لم يصل التحالف إلى قرار نهائي بالاشتراك في الانتخابات
وأشار إلى أنه “لغاية الآن لم تصل القوى في التحالف إلى القرار النهائي بالاشتراك في الانتخابات المبكرة المقبلة، بقائمة واحدة أو بأكثر من قائمة، لكن في جميع الأحوال فإن المشاركة بعد المقاطعة السابقة قد تغيّر معادلة النتائج في المرحلة المقبلة”.
كما أكد سليم أن “الحراك المدني والعلماني سيأخذ على عاتقه حمل هموم المحتجين ومطالب الشعب العراقي في المرحلة المقبلة، لا سيما أن حكومة السوداني سلكت نفس طرق التسويف التي اتبعتها حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، في عدم فتح أي ملف طالب به الحراك الاحتجاجي“.
من جانبه، قال عضو حزب “الوعد العراقي” محمود المؤنس، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الانتخابات المقبلة ستشهد مشاركة أحزاب مدنية عدة، منها ما هو منضو ضمن تحالف قوى التغيير، وأحزاب أخرى وجدت نفسها قادرة على المواجهة بمفردها ضد الأحزاب التقليدية”.
ولفت المؤنس إلى أن “جميع الأحزاب الجديدة تنوي الدخول في الانتخابات المقبلة، وجميعها تمتلك خطة استراتيجية بعيدة المدى ومدروسة، وتحمل أهداف انتفاضة تشرين”. وبرأيه، فإن هذه الأحزاب “تسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في المجالس المحلية ومجلس النواب”.
في المقابل، أكد الأمين العام لحزب “البيت الوطني” حسين الغرابي لـ”العربي الجديد”، أن “المشاركة في الانتخابات المبكرة من عدمها مرتبطة بالظروف التي سترافق إجراء الانتخابات وتعديل قانونها”.
وأشار إلى أنه “في حال استمرت الأحزاب التقليدية في التمسك بمناهج المحاصصة والترويع بحق الناشطين، إضافة إلى التحايل على القوانين الانتخابية واستخدام المال السياسي، فقد نرفض الانتخابات”.
في غضون ذلك، لفت المحلل السياسي عبد الله الركابي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “المدنيين والعلمانيين لن يجدوا غير خيار المشاركة في الانتخابات كتحالف موحد، وليس كقوائم انتخابية مشتتة”. كما أكد أن “حديث القوى السياسية صاحبة التأثير في الاحتجاجات العراقية عن الانتخابات المبكرة والقانون الانتخابي، يعني تراجعها عن خيار التظاهر والإطاحة بالسوداني عبر الساحات والميادين، وهذا يمنح راحة مؤقتة له”.
العربي الجديد