في أحدث تقرير شهري عن أسواق النفط العالمية، توقعت “أوبك” تناميا مطردا في الطلب على النفط بسبب برودة أو شتاء أطول من المتوقع، وكذلك نشاط اقتصادي أفضل من المتوقع، ما قد يقلل من وفرة العرض ويساعد على رفع أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة.
تأتي هذه التوقعات صدى لتصريحات الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز نائب وزير البترول والثروة المعدنية للمملكة العربية السعودية، خلال اجتماع الطاولة المستديرة السادس لوزراء البترول والطاقة لدول آسيا المنعقد في العاصمة القطرية الدوحة، حيث أعرب عن تفاؤله بشأن بوادر انتعاش الأسعار في وقت مبكر من عام 2016. وأشار إلى “أن نمو الطلب على البترول لا يزال مستمرا في الارتفاع، ويُتَوقعُ أن ينمو بنحو 1.5 مليون برميل يوميا في عام 2015، ويعتبر أقوى نمو شهدته السوق خلال الأعوام القليلة الماضية”، مشيرا أيضا إلى التأثير الكبير والطويل الأمد لخفض قطاع البترول والغاز استثماراته في عامين متتاليين، 2015 – 2016، على إمدادات البترول المستقبلية. وقالت المنظمة إن الطلب على نفطها الخام من المتوقع أن يكون في المتوسط 29.61 مليون برميل في اليوم في هذا العام، ونحو 30.82 مليون برميل في اليوم في عام 2016، دون تغير عن توقعاتها السابقة.
في السنوات الأخيرة، شهدت المنظمة تآكل حصتها في إمدادات النفط العالمية، حيث إن احتياطات النفط خارج المنظمة التي لم تكن اقتصادية في السابق تم تطويرها بدعم من أسعار النفط التي تجاوزت 100 دولار للبرميل. ولكن في أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي عندما قررت “أوبك” عدم خفض الإنتاج للدفاع عن حصتها السوقية، واصلت أسعار النفط هبوطها الحاد من 115 دولارا للبرميل التي كانت قد بدأته في منتصف حزيران (يونيو). واستمرت أسعار النفط في التراجع وهي الآن دون 45 دولارا للبرميل. كما أن الإمدادات من خارج “أوبك” هي أيضا في طريقها إلى الهبوط، حيث يتوقع تقرير المنظمة أن تنكمش بنحو 130 ألف برميل في عام 2016 بعد ارتفاع بنحو 720 ألف برميل في اليوم هذا العام.
وقالت المنظمة “…. استمرار انخفاض مستويات أسعار النفط تسبب في انكماش قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة. حيث إن انخفاض الأسعار أدى إلى قيام شركات النفط الصخري بخفض الإنفاق وعدد العمال في هذا العام. هذا الاتجاه التنازلي يجب أن يتسارع في النصف الثاني من عام 2015 والنصف الأول من العام المقبل، بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك استقرار انخفاض أسعار النفط، إلى جانب وجود نهج أكثر حذرا من قبل المستثمرين الذي سوف يحد من توافر السيولة النقدية للمنتجين للحفاظ على العمليات”.
وأضافت “أوبك”، نتيجة لذلك فإن عدد الآبار التي يتم حفرها حديثا آخذ في التناقص، وانخفض عدد منصات الحفر العاملة بنحو النصف. علاوة على ذلك، معدلات تراجع إنتاج آبار النفط الصخري مرتفعة ما يشكل مشكلة كبيرة للآبار المتقادمة، حيث إن في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، معدلات إنتاج هذه الآبار سوف تنخفض إلى أقل من 20 في المائة من طاقة إنتاجيتها الأولية.
بين التقرير أيضا، أن انخفاض أسعار النفط أدى إلى إلغاء أو تأجيل مشاريع بطاقة خمسة ملايين برميل في اليوم. إضافة إلى ذلك، قال التقرير، خفض الإنفاق الرأسمالي في الحقول التي تنتج حاليا يؤثر في نشاط التطوير والحفر الذي من شأنه تعويض الانخفاض الطبيعي (Natural Decline Rate).ومن المرجح أن يؤدي هذا الإجراء إلى زيادة معدلات انخفاض الإنتاج العالمية من مستوى 5 – 5.5 في المائة الحالي.
ويتم أيضا إغلاق بعض الحقول الهامشية التي تنتج دون عشرة آلاف برميل في اليوم في بحر الشمال وحتى في البرازيل. حيث إن الأعمار القصيرة لهذه الحقول وارتفاع معدلات تراجع الإنتاج وتكاليف الصيانة العالية تتطلب بصورة عامة أسعار نفط فوق 80 دولارا للبرميل لتكون اقتصادية، حسب التقرير.
من ناحية الطلب العالمي على النفط، تركت المنظمة توقعاتها السنوية والفصلية دون تغيير عن تقرير الشهر الماضي. حيث من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط من 92.86 مليون برميل في اليوم في هذا العام إلى 94.11 مليون برميل في عام 2016، هذا يمثل معدل نمو سنويا 1.25 مليون برميل في اليوم.
مع انخفاض الإنتاج من خارج “أوبك” بنحو 130 ألف برميل في اليوم إلى 57.11 مليون برميل في اليوم في عام 2016، تتوقع “أوبك” أن يقوم أعضاؤها باستيعاب جميع النمو في الطلب العالمي على النفط. لكن مع ذلك، أعربت عن قلقها إزاء الفرق بين مستويات المخزون الحالية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وآخر متوسط خمس سنوات، الذي يشير إلى ما إذا كانت أسواق النفط متشددة أو متخمة في الإمدادات.
في هذا الجانب، أشار التقرير إلى تراجع طفيف في المخزونات التجارية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شهر أيلول (سبتمبر) لتصل إلى 2.942 مليار برميل، أي نحو 210 ملايين برميل أعلى من أحدث متوسط خمس سنوات. هذا المستوى من المخزون يغطي 63 يوما من الطلب، أي نحو 4.5 يوم أعلى من متوسط الخمس سنوات.
على مدى السنوات العشر الماضية، كانت هناك فترتان تجاوز فيهم المخزون مستوى متوسط الخمس السنوات بأكثر من 150 مليون برميل. الفترة الأولى، عندما تدهور الطلب على النفط في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، عندها بلغ فائض إجمالي مخزونات النفط التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 180 مليون برميل في الربع الأول من عام 2009. الفترة الثانية، تتوافق مع الحالة الراهنة لأسواق النفط، التي حدثت نتيجة الارتفاع الكبير في إمدادات النفط العالمية. وقد أدى ذلك إلى حدوث فائض في المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. في كلتا الحالتين، انخفضت أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات.
مع ذلك قالت المنظمة، إن انخفاض أسعار النفط قد شجع على نمو إضافي في الطلب على النفط وفي الوقت نفسه أثر سلبا في بعض مصادر النفط الخام العالي التكلفة، الذي بالفعل أظهر تباطؤا في النمو. إضافة إلى ذلك، نمت احتياطيات النفط الاستراتيجية في بلدان مثل الصين والهند، التي استفادت من انخفاض الأسعار لبناء مخزونها النفطي، وتتوقع المنظمة أن يستمر هذا الاتجاه. ونوه التقرير إلى أن برودة الطقس أو شتاء أطول من المتوقع، ونشاطا اقتصاديا أفضل من المتوقع، يمكن أيضا أن يدعم نموا متزايدا على النفط. هذا من شأنه المساعدة في تخفيف العبء الحالي في المخزون ويدعم انتعاش أسعار النفط الخام في الأشهر المقبلة.
في غضون ذلك، إنتاج “أوبك” الحالي أعلى بكثير من توقعاتها الخاصة في الطلب على نفطها الخام. استنادا إلى مصادر ثانوية، تقدر “أوبك” إنتاج النفط الخام لأعضائها الـ12 لشهر تشرين الأول (أكتوبر) بـ 31.38 مليون برميل في اليوم، أقل بنحو 250 ألف برميل في اليوم من شهر أيلول (سبتمبر).
* نقلا عن صحيفة ” الاقتصادية ”