في عالم الدفاع الاستراتيجي يتم تقييم كل الاستراتيجيات من خلال تحليل الكلفة والعائد على حد سواء، وهو ما يطرح أمام صناع القرار الإسرائيليين مجموعة من وجهات النظر حول المسألة الإيرانية وما إذا كانت العودة للاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران ستسبب سيناريوهات أفضل أم أسوأ.
وفقاً لسيناريو إعادة الاتفاق، فإذا تمت إعادة العمل بالاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018، فسيؤدي إلى “اتفاق سيئ”، لأنه من المتوقع أن يخلق عديداً من التحديات في ما يتعلق بالتهديدات الإيرانية المستقبلية في ضوء القدرات والمعرفة التي جمعتها إيران خلال انتهاكها للاتفاق. فالصفقة ستعزز استراتيجية إيران الإقليمية لزعزعة استقرار المنطقة من خلال محور الوكلاء، وتعزيز طموحاتها للهيمنة على الشرق الأوسط. فحينما عقد الاتفاق في عام 2015، لم يتم التطرق لمعالجة القضايا الإقليمية وربطها بالفوائد الاقتصادية المحتملة، لذا فإن الاتفاق نفسه سمح للنظام بتوسيع نفوذه الإقليمي، وتطوير مشروعه الصاروخي، وتعميق ردع أعدائه وتقويض الاستقرار الإقليمي بالأدوات المختلفة التي طورها.
ومن هنا فإن تقييم مدى فائدة الاتفاق النووي من عدمه إنما تعتمد على البيانات المتوفرة بشأن ما تمتلكه إيران حالياً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وما يتطلبه إنتاج قنبلة واحدة. وتعتقد التقديرات الإسرائيلية أن إيران تجاوزت المطلوب لإنتاج قنبلة واحدة. أي أنه لو كان الاتفاق ما زال سارياً حتى عام 2030، لم يكن الوضع ليصبح مثلما هو الآن بعد خروج واشنطن منه وتمادي إيران في انتهاكاتها، إذ خزنت كثيراً من المواد المخصبة وقد تقدمت قدراتها بما يتجاوز ما سمحت لها الصفقة به.
ومن ثم في ضوء هذه المعطيات، هناك رأي داخل إسرائيل يعتبر أن اتمام صفقة جديدة مع إيران هو النتيجة الأفضل.
أما من وجهة نظر المؤسسة الدفاعية في إسرائيل، فإن إيران تشكل تهديداً مستمراً وأنشطتها لا تجري داخل حدودها، بل من خلال شبكة الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة، الذين تمدهم بالأموال والقدرات العسكرية.
وتنشر الأسلحة عبر الطائرات والسفن والقوافل البرية، في مواقع أقرب ما يمكن من حدود إسرائيل. وفي هذا السياق تنظر المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية إلى إيران باعتبارها تشكل ثلاث ركائز تهديد مترابطة: برنامجها النووي، وقدراتها العسكرية التقليدية ومحورها الإقليمي.
ومن ثم تتفق جميع الأطراف داخل إسرائيل على أن الوضع الراهن هو أسوأ وضع، إذ تحرز إيران تقدماً سريعاً في تخصيب اليورانيوم، بما يصل إلى 60 في المئة، وهو ليس بعيداً من مستوى التخصيب العسكري بنسبة 90 في المئة. وفي الوقت ذاته، تواصل إيران تقييد قدرات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، ولا تزال المفاوضات متوقفة.
في ضوء هذا التقدم النووي، هناك من يرى أن العودة للصفقة الأصلية لا طائل منها من الناحية العملية، ومن ثم الدعوة إلى اتفاق أفضل ومحسن من شأنها أن تبعد إيران عن الأسلحة النووية لعقود.
التحديات التي تقابل وجهة النظر هذه، هي أنه لا توجد مؤشرات على أن المجتمع الدولي مستعد أو قادر على الضغط على إيران للتوصل إلى صفقة أفضل، كان من الممكن أن تكون مصممة لضمان عدم امتلاكها المواد الانشطارية أو القدرة على إنتاجها بسرعة أثناء تفكيك بنيتها التحتية النووية وتعزيز إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من جهة أخرى لا يمكن تخيل اصطفاف الصين وروسيا خلف الولايات المتحدة للضغط على إيران لا سيما في ظل الحرب الباردة الصينية – الأميركية من جهة والحرب الروسية – الأوكرانية المستعرة من جهة أخرى.
ومن ثم فإنه في حال كان الوضع هو الاختيار بين حالتي صفقة سيئة أو لا صفقة، ستدفع إسرائيل بالخيار العسكري إلى الطاولة كأداة لردع إيران عن التوجه إلى الحصول على سلاح نووي.
اندبندت عربي