حمائم القارة العجوز تشكّك في تأثير سقف سعر النفط على روسيا

حمائم القارة العجوز تشكّك في تأثير سقف سعر النفط على روسيا


سعى الغرب جاهدا للتوصل إلى إجابة عن السؤال الصعب المتمثل في كيفية كبح تدفقات الأموال التي تحصل عليها روسيا من بيع نفطها، والبحث عن وسيلة لمنع الرئيس فلاديمير بوتين من جني أرباح الطاقة التي تستخدم لتمويل الحرب الروسية. وقد اتفق الاتحاد الأوروبي، أخيراً، على خطة لفرض سقف لسعر النفط الروسي يبلغ 60 دولارا للبرميل. فهل سيحدّ هذا من قدرات الروس على مواصلة حربهم في أوكرانيا؟

برلين – قوبل قرار الاتحاد الأوروبي بتحديد سقف لسعر النفط الروسي بردود فعل متباينة من الدول الأعضاء في الاتحاد، وكل الأعين تتجه الآن إلى روسيا لرؤية كيف سيكون رد فعلها على الخطوة الأخيرة.

إلا أن طريق التوصل إلى اتفاق سريع بشأن وضع سقف لسعر النفط الروسي لم يكن سهلا. فقد تشكلت مجموعتان متعارضتان داخل الاتحاد الأوروبي، كما يرى المحلل البريطاني تيموثي آش في تحليل نشره معهد تشاتام هاوس البريطاني، وهو ما أخّر الاتفاق السريع على سقف لسعر
النفط.

إحدى المجموعتين المتضادتين في الاتحاد يقودها الصقور في بولندا ودول البلطيق، وهي تؤكد أن أسرع طريقة لهزيمة روسيا هي العمل على إحداث انهيار لعائداتها من الطاقة عن طريق خفض سقف سعر النفط إلى ما يتراوح بين 20 و30 دولارا للبرميل، وهو سعر أقل كثيرا من كلفة الإنتاج التي تبلغ نحو 40 دولارا للبرميل.

انقسام في الرؤى
الصقور في بولندا ودول البلطيق يرون أن هزيمة روسيا تتطلب خفض سقف سعر النفط بين 20 و30 دولارا للبرميل

على الجانب الآخر ترى المجموعة الأخرى، التي تقودها المجر، وتشمل دولا مستوردة للطاقة الروسية بكميات أكبر مثل ألمانيا والنمسا بالإضافة إلى فرنسا، أن فرض أي سقف منخفض للغاية سيخاطر بالتسبب في زعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية. وتزعم هذه المجموعة الثانية أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة أكبر في أسعار الطاقة وهو ما سيفيد روسيا، وفي الوقت نفسه سيؤدي إلى فرض عبء اقتصادي أكبر على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تستورد الطاقة.

ورأى آش أن هناك خوفا لدى المجموعة الثانية من أن أي شيء يمكن أن يقيد الإمدادات ويتسبب في أزمة في كلفة المعيشة في أوروبا سيقوض في نهاية الأمر الإرادة السياسية الشعبية لاستمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا في مواجهة روسيا.

وتابع آش الزميل المشارك في برنامج روسيا وأوراسيا،أنه يمكن القول إن العوامل المختلفة بين المجموعتين هي تصوراتهما للمخاطر بشأن روسيا والثقة في الدعم الشعبي لأوكرانيا والاستعداد لتحمل الألم الاقتصادي في هذه القضية. وأوضح أن دولا مثل بولندا ودول البلطيق تنظر إلى روسيا باعتبارها تهديدا وجوديا لها، في حين أن دول غرب أوروبا تميل تصوراتها للمخاطر من جانب روسيا إلى الاعتدال.

وقد ساعدت العقوبات المفروضة بالفعل على التوصل إلى إجماع حول حل وسط يتركز على تحديد سقف لبيع النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل، كما أن مخاوف الحَوكمة البيئية والاجتماعية تجبر روسيا بالفعل على بيع نفطها بثمن أقل كثيرا عن أسعار النفط العالمية. على سبيل المثال، يتم حاليا بيع نفط الأورال بسعر يقترب من 60 دولارا للبرميل، بخفض بنسبة 27 في المئة عن سعر خام القياس العالمي “برنت”.

ويمكن القول إن هذا السقف السعري الميسر ونظام العقوبات العامة الأوسع نطاقا ضد روسيا يساعدان بالفعل في تقليص أي أرباح استثنائية للنفط والطاقة من غزوها لأوكرانيا.

وفي ما يتعلق برد روسيا، فقد هددت بالرد من خلال وقف مبيعات النفط لأي دولة تشارك في فرض سقف لسعر النفط الروسي. ومن المرجح أن تكون هذه خدعة حيث أن أحجام الصادرات الروسية والعائدات الإجمالية ستتضرر في وقت شهدت فيه احتياطياتها من العملات الأجنبية انخفاضا حادا، حيث تراجعت بقيمة 100 مليار دولار خلال عام على الرغم من ارتفاع فائض الحساب الجاري.

ستواجه روسيا مشكلات فنية إذا أوقفت إمدادات النفط نظرا إلى أن سعتها التخزينية محدودة. وبالمثل، يمكن أن يتسبب وقف الإنتاج في آبار النفط في حدوث ضرر طويل الأمد لإمكانات البلاد الإنتاجية.

ويؤكد الجهد الكبير الذي بذله الغرب من أجل الموافقة على سقف لسعر النفط الروسي صعوبات تطبيق العقوبات على دول مثل روسيا التي تلعب دورا في سلسلة الإمداد العالمية، وهي النفط والطاقة في هذه الحالة. والهدف من العقوبات دائما يكون الإضرار بالهدف أكثر من الدول التي تطبق العقوبات وهناك ضرورة سياسية للحفاظ على وحدة العقوبات.

وكما هو الحال دائما مع العقوبات، من المهم النظر إليها على أنها مجرد جزء واحد من رد غربي أوسع على روسيا والذي يمكن أن يشمل عقوبات دبلوماسية أخرى وخيارات عسكرية وعقوبات إلكترونية، معتبرا أن العقوبات ليست حلا سحريا، فهي تهدف إلى تغيير الحسابات الروسية لتشجيع التغيير في السلوك.

ومن المهم التركيز على تقليص قدرة روسيا على استغلال “بطاقة الطاقة”، حيث قال آش إن هناك نقطة مهمة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بأسواق النفط والطاقة والسلع، وهي كيف خففت قوى السوق من جهود روسيا لاستغلال بطاقة الطاقة ضد الغرب، خاصة ضد أوروبا.

في نهاية المطاف، ومع خفض روسيا لإمدادات الغاز إلى أوروبا، والارتفاع الكبير في أسعار الغاز والطاقة، حدث تعديل في الطلب، خاصة على الغاز ليتراجع بدرجة كبيرة، بما يتراوح بين 25 و30 في المئة في ألمانيا على سبيل المثال مما أدى إلى تقلص النمو العالمي وهو ما بدأ مؤخرا في التأثير سلبا على أسعار الطاقة العالمية.

أما الركود العالمي الناجم عن الأزمة في أوكرانيا وتحرك روسيا لتقييد إمداداتها من الطاقة إلى أوروبا، فيمكن في نهاية الأمر أن يكونا القشة التي تقصم ظهر البعير من خلال التسبب في انخفاض كبير في الطلب على الطاقة الروسية.

وفي حال تضرر اقتصاد روسيا إلى درجة أبعد بسبب تكاليف الحرب والعقوبات المفروضة عليه، فقد يكون انهيار العائدات الإجمالية لصادرات الطاقة مدمّرا لنظام بوتين على المدى المتوسط.

العرب