الباحثة شذى خليل*
خلال الفترة الممتدة من 7 إلى 10 ديسمبر الجاري انعقدت ثلاث قمم صينية عربية في العاصمة السعودية الرياض، بحضور 30 قائد دولة ومنظمة دولية، برئاسة العاهل السعودي وولي عهده والرئيس الصيني.وتم خلال القمتين مناقشة سبل تعزيز العلاقات المشتركة في المجالات كافة، وبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي، ووثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة مع رؤية السعودية 2030.
لا تزال الصين في سياستها الخارجية تطبّق رؤية الرئيس الصيني الأسبق دينغ شياو بينغ الذي نصح حينذاك بالعمل بصمت وتجنّب لفت الأنظار، وصولاً إلى هدفهم الذي يسعون لتحقيقه. هذه الحكمة شكلت منهج عمل للسلوك السياسي الصيني في العقود الماضية.وحول هذه القمة تتأكد العلاقات العربية الصينية التاريخية المتجذرة والتي تعود بداياتها إلى أكثر من 2000 عام قبل الميلاد، عندما كان طريق الحرير شريان التجارة بين العرب والصين. وفي عام 2004 أسّس “منتدى الحوار الصيني العربي” بين الصين وجامعة الدول العربية.
وفي سياق المشروع الكبير الذي طرحته بكين في مبادرة الحزام والطريق عام 2013 كأضخم مشروع إستراتيجي في التاريخ، كانت الدول العربية هدفاً له، إذ انضمت أكثرها الى هذه المبادرة.
ترى بكين المنطقة العربية مهمة جدا من ناحية لسد الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة الامريكية، ومن ناحيه أخرى أهمية المنطقة (جيواستراتيجياً)، بسبب وقوع طرق التجارة فيها. ومصدر مهم للطاقة، خصوصاً وأن بكين هي المستهلك الأكبر للطاقة في العالم. ففي عام 2013 تفوقت الصين على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخام من الشرق الأوسط. ومنذ عام 2017 أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط الخام في جميع أنحاء العالم، ومن المرجح أن يمثل الشرق الأوسط 70% من احتياجات الصين من الطاقة بحلول عام 2030.
لقد سعت بكين لتنويع مصادر الطاقة، فوقّعت عام 2021 اتفاقية إستراتيجية مع إيران بقيمة 400 مليار دولار مدتها 25 عاماً، ووقّعت كذلك قبل أيام اتفاقيّة لشراء الغاز القطري مدتها 27 عاماً، وهي الاتفاقية الأطول في تاريخ صناعة الغاز المسال في العالم.
والجميع يدرك أهمية المنطقة العربية بحيويتها ونشاطها الاقتصادي وثرواتها حيث يبلغ عدد السكان في 22 دولة عربية، أكثر من 430 مليون نسمة، وهي سوق كبيرة، تفوق عدد سكان الولايات المتحدة (أكبر شريك تجاري للصين)، لذلك تسعى الصين لغزو الأسواق العربية بمنتجاتها الرخيصة نسبيا، والاستفادة من فرص الاستثمار بها، وتأمين طرق التجارة بها.
بالإضافة الى وجود مشاريع تنموية كبيرة مثل مشروع المملكة العربية السعودية 2030، والعاصمة الجديدة في مصر، والموانئ البحرية في عدد من الدول العربية، إضافة إلى مشاريع إعادة الإعمار في الدول التي شهدت حروباً ودماراً مثل سوريا.
تسعى الصين لتقوية علاقتها ببقية دول الخليج الغنية بالنفط والغاز ورؤوس الأموال، والتي تسعى للفوز بعقود بمليارات الدولارات لإنجاز مشاريع عقارية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية، على سبيل المثال ملعب لوسيل القطري الذي شيدته شركة صينية، والذي يحتضن عدة مباريات في كأس العالم.
ليس النفط ما يجذب الصين إلى الخليج، بل الغاز المسال الذي تعتبر قطر أكبر مصدريه هو من يثير شهية بكين، حيث وقع الطرفان نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، اتفاقية لتوريد 4 ملايين طن سنويا من الغاز المسال إلى الصين طيلة 27 عاما بداية من 2026.كما تسعى الصين للفوز بحصة أكبر من سوق الأسلحة في الخليج، فالسعودية والإمارات تخصصان أكبر ميزانيتين للدفاع في الوطن العربي، وتستورد قطر والكويت والبحرين وبدرجة أقل سلطنة عمان أسلحة بمليارات الدولارات. حيث تقيم الصين قاعدتها العسكرية الوحيدة بجيبوتي، الواقعة على مدخل مضيق باب المندب، كما تعبر سفنها التجارية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ومعظم الدول العربية تعتبر جزءا من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
وملخص للأهداف الاقتصادية وهذا ما نركز عليه في هذا المقال:
• الحصول على عقود في مجال الطاقة مع عدد من الدول العربية، وترغب بكين في أن تكون هذه العقود طويلة الأجل كي لا تتأثر بالتغيرات السياسية.
• الحصول على عقود لمشاريع البنية التحتية، وخصوصاً في مجال البناء والطرق والجسور والموانئ البحرية. خاصة بعد نجاحها في تنفيذ كثير من المشاريع الخاصة بمونديال قطر 2022.
• تحقيق مشروع الحزام والطريق والمضي قدوما، وإعطاء الدول العربية الفقيرة القروض. طبعاً القروض ليست هبات، هي قروض يجب إعادتها، لكنها غير مربوطة بشروط سياسية مثل قروض صندوق النقد الدولي.
• تصحيح الفكرة عن المنتجات الصينية في المنطقة العربية، عبر ترويج فكرة “التنمية عالية الجودة” التي طرحها الرئيس الصيني في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، والتي تعني التركيز مستقبلاً على الجودة لا على الكم.
• توطين صناعة السيارات الكهربائية الصينية، التي يزداد الطلب عليها عالمياً وعلى نحو كبير، وتشكل المنطقة العربية سوقاً مهمة لها.ختاما تشكل القمة العربية الصينية محطة مهمة ضمن سياق عالمي يسعى للخروج من هيمنة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، بدأت تتجلى معالمه في أكثر من منطقة. فالصين الطامحة لتجاوز الولايات المتحدة والتربع على عرش أكبر اقتصاد عالمي في عام 2030، بحاجة إلى شراكة استراتيجية مع الوطن العربي المتموضع في قلب العالم القديم، والمتحكم في أهم طرق ومعابر التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوروبا، فهل ستكون شريكا حقيقيا تحترم به حقوق وحدود الآخرين، ضمن سياسات واتفاقيات لا تنعكس بالسلب على بعض الدول في المستقبل؟
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية