الجزائر تعيد تشكيل سياستها الخارجية بتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا

الجزائر تعيد تشكيل سياستها الخارجية بتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا

الجزائر – أظهرت الجزائر مؤخرا تحركات وخطوات لتعزيز العلاقات مع قوى الشرق (الصين وروسيا)، ما أوحى بتغيير دفة سياستها الخارجية نحو هذا المحور وابتعادها أكثر عن الولايات المتحدة، بينما تقول السلطات إن توجهاتها الدبلوماسية متوازنة.

وبالرغم من أن هذا البلد المغاربي معروف منذ استقلاله عام 1962 بعلاقاته الجيدة مع ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي، فإن الظرف الدولي الراهن جعل تلك الخطوات توحي بأنه حسم خياراته الخارجية بشأن تنافس الأقطاب.

ومطلع نوفمبر الماضي أعلنت المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية ليلى زروقي أن بلادها قدمت طلبا رسميا للانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

وبعد أيام من طلب الانضمام إلى المجموعة، أعلنت الخارجية الجزائرية أنها وقعت اتفاقية تعاون إستراتيجي مع الصين تمتد إلى 2026، وتشمل الاقتصاد والطاقة والفضاء والمجالات الثقافية.

ومنذ 2013 تحافظ الصين على صدارة المصدرين إلى الجزائر، حيث أزاحت فرنسا التي احتكرت هذه المكانة لعشرات السنين.

وفي 2018 انضمت الجزائر إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وفي مارس 2022 أعلن البلدان التوصل إلى توافق على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك للمبادرة والتي سيتم توقيعها بأقرب فرصة”.

وبالتزامن مع هذه الخطوة، تحضّر روسيا والجزائر لزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى موسكو قبل نهاية العام الجاري، وفق تصريحات لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة.

وقبل أيام بحث قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة التعاون العسكري الثنائي مع مدير الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني الروسية ديمتري شوغاييف الذي زار الجزائر للمرة الثانية منذ بداية 2022.

وتزامنت الزيارة مع تقارير إعلامية عن تخصيص الجزائر موازنة ضخمة للتسليح خلال السنوات المقبلة تناهز 10 مليارات دولار، لكن السلطات الجزائرية لم تؤكد هذه المعلومة.

وبحسب تقارير دولية تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، فيما تعتبر موسكو أول مموّل للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50 في المئة.

وأظهرت هذه الخطوات الجزائرية توجها رسميا لتعزيز العلاقات مع محور الشرق المتمثل في روسيا والصين، وذلك في ظل حالة استقطاب حادة بين موسكو والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية.

لكن المسؤولين في الجزائر يرددون أن السياسة الخارجية للبلاد مبنية على مبدأ التوازن في العلاقات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ورفض تدخل البلدان الأخرى في شؤون الجزائر.

وتحت عنوان “سياسة الجزائر الخارجية على مفترق طرق” نشر معهد واشنطن للدراسات في أغسطس الماضي دراسة للباحث فاسيليس بتروبولوس المتخصص في النزاعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلص فيها إلى “أن الجزائر ربما تعيش أهم لحظة في تاريخها الدبلوماسي منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي”.

وأعرب بتروبولوس عن اعتقاده بأن “اهتمام الجزائر بعلاقاتها مع الصين وروسيا لا يُعتبر تطورا جديدا.. غير أن تصوّر الجزائر بأن واشنطن تدعم المغرب علنا وباستمرار وتفضّله عليها، يجعلها تقترب أكثر من روسيا والصين اللتين ترحبان بها بحرارة”.

جراء الحرب الروسية – الأوكرانية باتت دول الغرب بحاجة إلى إمدادات غاز طبيعي إضافية في ظل عقوبات غربية مشددة على قطاع الطاقة الروسي

والجزائر والمغرب جاران بينهما ملفات خلافية أبرزها إقليم الصحراء الذي تتنازع بشأن السيادة عليه الرباط وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.

واعتبر الباحث أنه “في ظل مواصلة الحرب في أوكرانيا وإعادة رسم معالم العلاقات متعددة الأطراف الأشمل، عليها (الجزائر) أن تقرر ما إذا كانت تريد التمسك بالحياد أو الانحياز أكثر نحو المعسكر التعديلي (الشرقي)، وهو قرار سيؤثر على مكانتها في الأنظمة الإقليمية والدولية”.

لكن، لماذا تحتاج واشنطن إلى نهج أكثر ودية تجاه هذا المنتج الرئيسي للغاز؟ تحت هذا العنوان كتب الباحث المختص في شؤون الأمن والطاقة جيمس دورسي مقالا في موقع “أويل برايس” قال فيه إن أوروبا كأول زبون للغاز الطبيعي الجزائري يمكن أن تكون مدافعا فعالا عن الجزائر في واشنطن إذا تمكنت من جعل الإدارة الأميركية تفهم أن مصلحة الولايات المتحدة في “أوروبا آمنة” تخدمها على أفضل وجه أن تكون الجزائر ودية مع واشنطن ولكنها مستقلة وتسعى فقط للتقدم بنفسها عبر علاقات الاحترام المتبادل مع الشركاء العمليين.

ونشرت صحيفة الشروق الجزائرية (خاصة) مقالا للكاتب محمد مسلم بعنوان “الجزائر تعيد تفعيل شبكات علاقاتها بتنشيط محورها التقليدي”، في إشارة إلى المعسكر الشرقي خلال سبعينات القرن الماضي.

وجاء في المقال أن “الجزائر استغلت الوضع الجيوسياسي الجديد الذي أفرزته العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وشرعت في إعادة تفعيل شبكة علاقاتها القديمة مع حلفائها التقليديين، التي تم إهمالها خلال العقدين الأخيرين، من دون إغفال انفتاحها على بقية الدول الأخرى”.

أما المحلل السياسي رضوان بوهيدل فاعتبر أن “القول بأن الجزائر تفضل طرفا على آخر في هذه المرحلة هو خطأ، فهي تحاول أن تنوع في شراكاتها وتعاونها الإستراتيجي وحتى التعاون العادي مع عدد من الدول سواء أوروبا والولايات المتحدة أو الصين وروسيا”.

ملف الطاقة ورقة ضغط جزائرية تسمح لها بممارسة الدبلوماسية بأريحية وإيجاد موقع لها بين النوادي الكبرى

وأضاف أن “السياسة الخارجية الحالية هي امتداد لما كانت عليه في فترات سابقة، وهي محاولة الموازنة في العلاقات الإستراتيجية مع المعسكر الشرقي سابقا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى”.

و”الملاحظ في الفترة الأخيرة أن البلاد تتوفر على ورقة ضغط هي ملف الطاقة تسمح لها بممارسة الدبلوماسية بأريحية وإيجاد موقع لها بين النوادي الكبرى مثل مجموعة البريكس”، وفق بوهيدل.

وجراء الحرب الروسية – الأوكرانية باتت دول الغرب بحاجة إلى إمدادات غاز طبيعي إضافية في ظل عقوبات غربية مشددة على قطاع الطاقة الروسي.

وتابع بوهيدل أن “العودة للحديث عن طريق الحرير والانضمام إلى البريكس، وتوقيع اتفاقية للشراكة الإستراتيجية الشاملة مع بكين ستعطي دفعة لمبادرة الحزام والطريق، وتدفع بالجزائر قدما نحو التحول إلى دولة محورية اقتصاديا ودبلوماسيا في القارة الأفريقية”.

وبخصوص زيارة الرئيس تبون المرتقبة إلى موسكو، قال إنها “جاءت بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وستكون تاريخية لتفعيل عدد من الاتفاقيات والتعاون والرفع من طبيعة الشراكة الإستراتيجية بين البلدين”.

وختم بأن “هذا لا يعني بالضرورة أن الجزائر تقف إلى صف موسكو في الحرب الأوكرانية، بل هي توازن حسب مصلحتها وتتعاون مع الجميع سواء روسيا أو الولايات المتحدة أو غيرهما”.

العرب