ما الذي على المحك في التصعيد التركي الجديد مع سوريا

ما الذي على المحك في التصعيد التركي الجديد مع سوريا

بيروت – شهد شمال سوريا أسابيع من الضربات الجوية التركية القاتلة. وتحاول القوات الكردية واللاعبون الدوليون تحديد ما إذا كانت تهديدات أنقرة بغزو بري خطيرة.

وتوعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة بتوغل بري جديد لإبعاد الجماعات الكردية عن الحدود التركية – السورية، إثر تفجير ميدان تقسيم يوم الثلث عشر من نوفمبر في إسطنبول. واتهمت السلطات التركية فيه حزب العمال الكردستاني المحظور ووحدات حماية الشعب التي تتخذ من سوريا مقرا لها. ويُذكر أنهما نفيا تورطهما.

وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من أن الضربات ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية من خلال تعطيل الكهرباء والوقود والمساعدات.

وفي أحدث التطورات، توجه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين إلى تركيا هذا الأسبوع لإجراء محادثات حول الوضع في سوريا.

وترى تركيا تهديدا في القوات الكردية على طول حدودها مع سوريا، وشنت ثلاثة توغلات عسكرية كبرى منذ 2016، وسيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي.

ويأمل أردوغان في نقل 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا إلى شمال سوريا وبناء وحدات سكنية هناك. ويمكن أن تعالج الخطة المشاعر المتزايدة المعادية للاجئين في تركيا وتعزز دعم أردوغان قبل انتخابات العام المقبل، مع إضعاف المناطق ذات الأغلبية الكردية تاريخيا من خلال إعادة توطين اللاجئين السوريين غير الأكراد هناك.

كما طرح أردوغان خططا لإنشاء ممر أمني بطول 30 كيلومترا في المناطق الخاضعة حاليا للسيطرة الكردية. ونجح وقف الغزو التركي المخطط له في وقت سابق من هذا العام بمعارضة من الولايات المتحدة وروسيا.

وتضغط الجماعات الكردية على الولايات المتحدة وروسيا، ولكليهما مواقع عسكرية في شمال سوريا، لمنع تركيا مرة أخرى من تنفيذ تهديداتها.

ويشعر الأكراد بالقلق من أن الغرب سيغض النظر هذه المرة لاسترضاء أنقرة مقابل الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.

وقال الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدران جيا كرد إن “هذا الصمت تجاه وحشية تركيا سيشجع تركيا على تنفيذ عملية برية”.

وتحذّر الجماعات الكردية، التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب تحالف تقوده الولايات المتحدة وتحرس الآن الآلاف من مقاتلي داعش وأفراد أسرهم، من أن التصعيد التركي سيهدد الجهود المبذولة للقضاء على التنظيم المتطرف.

وخلال الأسابيع الأخيرة، قال مسؤولون من الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد إنهم أوقفوا أو قلّصوا الدوريات المشتركة ضد داعش بسبب الضربات الجوية، على الرغم من استئناف الدوريات منذ ذلك الحين.

ومن المرجح أن يوفر ما يسمى بالجيش الوطني السوري، وهو تحالف من جماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا ويضم عشرات الآلاف من المقاتلين، جنود مشاة لأي هجوم بري في المستقبل. واتُهم الجيش الوطني في عمليات التوغل السابقة، بما في ذلك هجوم 2018 على بلدة عفرين، بارتكاب فظائع ضد الأكراد وتهجير عشرات الآلاف من منازلهم.

ولم يرد عدد من المسؤولين في الجيش الوطني السوري على مكالمات وكالة أسوشيتد برس ورسائلها النصية. وقال أحد المسؤولين الذين ردوا إن السلطات التركية أمرتهم بعدم التحدث عن أي خطط لتوغل جديد.

وعارضت الحكومة السورية التوغلات التركية السابقة، لكنها تعتبر قوات سوريا الديمقراطية قوة انفصالية وحصان طروادة للولايات المتحدة التي فرضت عقوبات قاسية على حكومة بشار الأسد.

وتتحرك دمشق وأنقرة مؤخرا لتحسين العلاقات بعد 11 سنة من التوتر الناتج عن دعم تركيا لمقاتلي المعارضة في الحرب الأهلية السورية. والتزمت دمشق الصمت نسبيا بشأن مقتل جنود سوريين في الضربات التركية الأخيرة.

وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري صغير في شمال سوريا، حيث أثار دعمها القوي لقوات سوريا الديمقراطية غضب تركيا.

ولم تصرّح الولايات المتحدة علنا بالكثير في البداية عن الضربات الجوية التركية، لكن صوتها علا بعد أن أصبحت الضربات بالقرب من القوات الأميركية بشكل خطير وأدت إلى إيقاف الدوريات المناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية مؤقتا.

وأعرب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأسبوع الماضي عن “معارضة قوية” لهجوم جديد. ويُذكر أنه أبلغ نظيره التركي خلوصي آكار بأن “الولايات المتحدة تعارض شن أنقرة عملية عسكرية جديدة في سوريا، وأنها تشعر بالقلق من الضربات الجوية التركية التي تهدد الأفراد الأميركيين في المنطقة”.

وردا على سؤال عما إذا كان للولايات المتحدة أي ضمانات للأكراد القلقين من أن الولايات المتحدة قد تتخلى عنهم لإقناع تركيا بإبرام اتفاق مع حلف الناتو، قال مسؤول أميركي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته فقط إنه لم تحدث تغييرات في السياسة الأميركية في المنطقة.

وتعتبر روسيا أقرب حليف للحكومة السورية. وساعد تورطها في الصراع السوري على قلب الموازين لصالح الأسد.

وعلى الرغم من أن تركيا وروسيا تدعمان الأطراف المتنافسة في الصراع، إلا أنهما نسقتا جهودهما عن كثب في شمال سوريا. وضغطت روسيا من أجل المصالحة بين دمشق وأنقرة في الأشهر الأخيرة.

وأعربت موسكو عن مخاوفها بشأن العمليات العسكرية التركية الأخيرة في شمال سوريا وحاولت التوسط للتوصل إلى اتفاق.

الجماعات الكردية تضغط على الولايات المتحدة وروسيا، ولكليهما مواقع عسكرية في شمال سوريا، لمنع تركيا مرة أخرى من تنفيذ تهديداتها

وقد أفادت مصادر خاصة لقناة الميادين أنّ قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو زار محافظة الحسكة شمالي شرقي البلاد، والتقى زعيم ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية قسد مظلوم عبدي. وذكرت أنّ اللقاء “بحث التهديدات التركية بشنّ عملية برية وسبل اتخاذ إجراءات تمنع وقوع العملية”، مؤكّدة أنّ تشايكو “أعاد طرح فكرة انتشار الجيش السوري على امتداد الشريط الحدودي وبعمق 30 كلم”.

لكن أردوغان قال إنه طلب “دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتخاذ قرارات مشتركة وربما العمل معا لاتخاذ خطوات في شمال سوريا”، مضيفا أن تركيا لن تطلب الإذن من أحد لشن العملية البرية.

وعارضت إيران، الحليف الرئيسي لحكومة الأسد، بشدة الخطط التركية لشن هجوم بري في وقت سابق من هذا العام لكنها لم تعلق علنا على التوغل الجديد المحتمل.

وتتواجد في طهران أقلية كردية كبيرة حاربت تمردا انفصاليا منخفض المستوى منذ عقود. وشهدت إيران احتجاجات متواصلة وحملة قمع دامية شنّتها قوات الأمن منذ مقتل الكردية مهسا أميني.

وزعمت إيران تورّط جماعات المعارضة الكردية المنفية في العراق المجاور في معظم الاضطرابات، وهي اتهامات تنكرها تلك الجماعات، لكن طهران نفذت ضربات ضدها. ويمكن أن يوفر توغل تركي آخر في سوريا نموذجا لاستجابة أوسع إذا استمر تصاعد الاضطرابات في كردستان إيران.

العرب