باستبعاده رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو من الترشح للانتخابات الرئاسية في 2023، تخلص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أبرز منافسيه المحتملين والذين يتمتعون بحاضنة شعبية كبيرة.
إسطنبول – قضت محكمة تركية الأربعاء بسجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو منافس ذو شعبية للرئيس رجب طيب أردوغان، أكثر من عامين، وفرضت حظرا سياسيا عليه بتهمة إهانة مسؤولين عموميين مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع عقدها في تركيا في يونيو 2023.
ومنذ الانتخابات البلدية في تركيا عام 2019، يطرح اسم رئيس بلدية إسطنبول كمرشح محتمل، بل وقوي للانتخابات الرئاسية في 2023. ويأتي هذا الطرح من باب نجاحه في الفوز بالبلدية الأهم في البلاد، والتي تضم زهاء خُمس السكان.
وأكد محاميه كمال بولات أنه سيستأنف الحكم، وهو ما يعني أنه سيبقى في منصب رئيس البلدية، لكنه بات مستبعدا من الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. وأضاف بولات “هذا نهج مؤسف حيال الديمقراطية وسيادة القانون”. وتعود القضية إلى تصريح صدر عن إمام أوغلو بعدما هزم مرشح حزب الرئيس رجب طيب أردوغان في انتخابات العام 2019 البلدية المثيرة للجدل. ونادرا ما يودع الأشخاص الذين يحكم عليهم بالسجن لمدة أقل من أربع سنوات في السجن في تركيا.
وألحق إمام أوغلو (52 عاما) هزيمة بحزب أردوغان في مارس 2019 بفوزه بمنصب رئاسة بلدية أسطنبول، التي قادها حزب العدالة والتنمية الحاكم مدة 25 عاما. وألغت الحكومة انتخاب إمام أوغلو، ولكنه عاد وفاز بفارق كبير في انتخابات الإعادة بعد نحو ثلاثة أشهر. وبعد بضعة أشهر اعتبر أكرم إمام أوغلو أن أولئك الذين ألغوا فوزه في الانتخابات “أغبياء”، مرددا عبارة استخدمها وزير الداخلية سليمان صويلو ضده قبل بضع ساعات.
وعرّض هذا الوصف رئيس بلدية إسطنبول للملاحقة القضائية بتهمة “إهانة” أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات. ويعتبر إمام أوغلو، العضو في حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي)، وهو حزب المعارضة الرئيسي لسلطة الرئيس رجب طيب أردوغان، أن محاكمته “سياسية”.
◙ الاستطلاعات تشير إلى انتصار محتمل للمعارضة التركية إنْ لم يكن في السباق الرئاسي، فسيكون في البرلمان
وقال إمام أوغلو الأربعاء إن الحكم عليه بالسجن إنما هو حكم “سياسي وغير قانوني”، ويعكس الظروف الحالية التي تمر بها تركيا. ولم يتمكن تحالف المعارضة المؤلف من ستة أحزاب، بينها حزب الشعب الجمهوري، من تحديد مرشح مشترك للانتخابات الرئاسية، في حين بات إمام أوغلو مقصى سياسيا. وتشير استطلاعات الرأي إلى فوز رئيس بلدية إسطنبول في مواجهة أردوغان إلى جانب عدد قليل من زعماء المعارضة، وسط أزمة اقتصادية خطيرة وأرقام رسمية حددت نسبة التضخم بنحو 85 في المئة.
لكن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجندار أوغلو يفضل الترشح بنفسه، وفق ما أفاد العديد من المراقبين. وبينما أكد إمام أوغلو دعمه لزعيم حزبه لم يغلق الباب أمام ترشيحه المحتمل، مؤكدا أنه “قادر على تحمل كل أنواع المسؤولية”. ويأتي الحكم على إمام أوغلو بعد اتهام كليجندار أوغلو “بنشر أخبار كاذبة”. وبموجب قانون جديد حول المعلومات المضللة، يواجه كليجندار أوغلو عقوبة قد تصل إلى السجن ثلاث سنوات، وسيمنع بذلك من الترشح للانتخابات.
وكان كليجندار أوغلو كتب في تغريدة على تويتر أنه يحمّل حكومة حزب العدالة والتنمية ذات الميول الإسلامية، مسؤولية ما أسماه “وباء الميثامفيتامين” في تركيا، مشيرا إلى أن السلطات تسحب الأموال من مبيعات المخدرات للمساعدة في سداد الديون الوطنية.
ويقول مراقبون إن نظام أردوغان الذي يواجه أزمة اقتصادية خطيرة وتضخما تجاوز 85 في المئة خلال الأشهر الـ12 الماضية، يريد إضعاف المعارضين الذين طالتهم أساسا موجات اعتقالات أعقبت محاولة الانقلاب في 2016.
وكان أردوغان يخوض حملته الانتخابية على أساس سجل الرخاء الاقتصادي والتنمية، لكن الاقتصاد التركي يترنح بشدة. ويرى أتيلا يسيلادا، المحلل في شركة جلوبال سورس بارتنرز التي تتخذ من إسطنبول مقرا، أن “سنوات السياسات غير المسؤولة أضرت بالاقتصاد التركي”.
وسيكون الوضع الاقتصادي محددا لمسار الانتخابات القادمة ومقياسا لتوجهات الناخبين، فإذا نجح أردوغان خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات في كبح انهيار الليرة وخفض معدل التضخم وتحسين الأوضاع المعيشية للأتراك، قد يستعيد جزءا من ثقة الناخبين ويرفع أسهم شعبيته. لكن إذا استمر الوضع على حاله أو ازداد سوءا، فإن ذلك سيؤثر حتما على حظوظه وحظوظ حزبه.
وتحمّل المعارضة التركية الرئيس التركي المسؤولية عن انهيار الليرة والارتفاع القياسي لمعدل التضخم، وكذلك تردي الوضع المعيشي للمواطنين، متهمة أردوغان بتدمير الليرة بسبب تدخلاته في السياسة النقدية وبتقويض مصداقية واستقلالية البنك المركزي بفرضه تخفيضات قسرية لأسعار الفائدة. كما ترى المعارضة وشق واسع من الشخصيات السياسية والأكاديمية والحقوقية أن الأزمة التي تعيشها تركيا، هي نتاج طبيعي لسياسات أردوغان ولمعاركه الخارجية المدفوعة بطموحات شخصية.
◙ التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا وسوريا وفي نزاع قرة باغ استنزف موازنة الدولة وسممت علاقات تركيا الخارجية
ويشير المعارضون إلى أن التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا وسوريا وفي نزاع قرة باغ استنزف موازنة الدولة وسممت علاقات تركيا الخارجية، موضحين أن النهج الصدامي والعدائي الذي انتهجه أردوغان تجاه الشركاء الغربيين والخليجيين في السنوات الأخيرة، أضر بالاقتصاد التركي وجعل المستثمرين الأجانب يتجنبون ضخ استثمارات في السوق التركية.
وسيكون سباق الرئاسة في تركيا استثنائيا بكل المقاييس مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث سيواجه أردوغان منافسين شرسين نجحوا في الاستفادة من الأزمة المالية الطاحنة لجهة تعزيز موقعهم في مقابل إضعاف خصمهم.
وبدأت في الأشهر الماضية ترتسم ملامح تحالفات حزبية هدفها تشكيل جبهة قوية، فقط من أجل عزل أردوغان سياسيا. واللافت أن جزءا من التحالفات المتوقعة ستشمل أحزابا جديدة، بعضها ولد من رحم حزب العدالة والتنمية الحاكم على إثر انشقاقات واسعة أضعفت الحزب. ومن بين المنشقين والمرشحين المحتملين لمنافسة أردوغان رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان.
وتعكس استطلاعات الرأي سأم الناخبين من الرئيس، بعد سنوات قليلة مضطربة في تركيا تميزت بتصاعد التوترات مع بعض حلفاء البلاد في الناتو وبتصاعد الاستقطاب الاجتماعي في الداخل. وهذه النتائج تشير إلى انتصار محتمل للمعارضة إنْ لم يكن في السباق الرئاسي، فسيكون في البرلمان، حيث تأمل في انتزاع الأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان.
العرب