باريس – يعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تقديم مشروع قانون للهجرة يحاول أن يوازن فيه بين احتياجات بلاده من المهاجرين وضغوط وعداء اليمين المتطرف لهم، بجانب مخاوف حقوقية من أن يتيح المشروع عمليات إعادة قسرية غير قانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء.
وقبل الخطوة الأولى من التقديم الرسمي لمشروع القانون، دارت نقاشات طويلة بشأن سياسة الهجرة في الدولة الأوروبية، حيث قال ماكرون الأسبوع الماضي إن القانون المقترح، الذي ستجري مناقشته في البرلمان خلال الربيع المقبل، “يجب أن يجمع بين الحزم والإنسانية”.
ويدور هذا المشروع حول تطبيق سياسة الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية والتي سجلت معدلا منخفضا خلال العقد الماضي، حيث طلبت السلطات من 15 في المئة فقط من المهاجرين مغادرة البلاد، وفقا لتقرير مجلس الشيوخ الفرنسي في مايو الماضي.
وتحديدا، يسعى المشروع إلى تسريع الإجراءات المتعلقة بالهجرة وتحسين الدمج وتشجيع هجرة العمالة ذات “المهارات المطلوبة”.
باريس تسعى للموازنة بين ضغوط اليمين المناهض للهجرة وبين تلبية الاحتياجات من العمال المهاجرين
ويقترح المشروع أن يخطر المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية بشكل تلقائي أي شخص يتم رفض طلبه للجوء. بينما لا يمكن حاليا إخطار الشخص بهذا الإجراء إلا عندما تصدر المحكمة الوطنية للجوء قرارا نهائيا بشأن استئناف قرار الرفض.
وبدلا عن ثلاثة قضاة يعملون بشكل جماعي، يقترح المشروع استخدام “قاض واحد” في معظم حالات الاستئناف أمام هذه المحكمة.
وعلى الجبهة السياسية، تحاول الحكومة الفرنسية الموازنة بين ضغوط اليمين المتطرف المناهض للمهاجرين واللاجئين وبين السيطرة على الهجرة وتلبية احتياجات البلاد من العمال المهاجرين في قطاعات عديدة.
ومع تزايد قوة اليمين المتطرف تبدو النقاشات صعبة بالنسبة إلى السلطة التنفيذية، فمنذ عام 2017 استخدم اليمين واليمين المتطرف مسألة الهجرة كإحدى الأدوات الرئيسية للهجوم على ماكرون، ويبدو أن الأمر يزداد صعوبة.
واسترضاء للمعارضة وربما أيضا لحزبها “الجمهورية تسير قدما”، قالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن في بيان “نهدف إلى تحقيق الكفاءة والإجراءات المفيدة والآثار الملموسة.. نحن لا نسعى إلى الانقسام”.
وفي أبريل الماضي، فاز ماكرون بولاية رئاسية ثانية، بعد هزيمة زعيمة “التجمع الوطني” مارين لوبان للمرة الثانية على التوالي، لكن النتائج حملت مؤشرات مقلقة على صعود اليمين المتطرف، حيث حصد ماكرون أكثر من 58 في المئة من الأصوات مقابل نحو 42 في المئة للوبان.
وانتقدت منظمات حقوقية مشروع القانون المرتقب باعتبار أنه سيزيد من معاناة المهاجرين طالبي اللجوء أو من لا يملكون أوراقا خاصة بالهجرة واللجوء.
وقالت رئيسة برنامج “النزاع والهجرة والعدالة” بمنظمة العفو الدولية في فرنسا تشيلينا جيرولون عبر بيان “نحن قلقون بشكل خاص بشأن إجراءين اقترحتهما الحكومة”.
والإجراء الأول، وفق جيرولون، يتعلق بـ”الإخطار التلقائي لرفض طلبات المتقدمين للحصول على اللجوء”، ما يعني أن الالتزام بمغادرة فرنسا سيكون ضمن عمل مكتب حماية اللاجئين وعديمي الجنسية (وليس القضاء).
وأما الإجراء الثاني المثير للقلق فيتعلق بـ”احتمالية أن يؤدي إجراء الإخطار التلقائي إلى عمليات إعادة قسرية غير قانونية”، بحسب جيرولون.
وفي المتوسط، يشغل العمال المهاجرون في فرنسا وظيفة واحدة من كل عشر وظائف، لكن يمكن أن ترتفع النسبة إلى أربع وظائف من كل عشر في قطاعات محددة.
وفي مقابلة مع صحيفة باريسيان مؤخرا، تساءل ماكرون قائلا “لنكن واضحين، هل نؤمن بصدق بأن خدمات المطاعم والعمل الزراعي وقطاعات أخرى عديدة يمكنها أن تعمل من دون الهجرة؟.. الجواب: لا”.
ووفقا لبيانات “دراسة تنشيط البحوث والدراسات والإحصاءات”، فإن نحو أربعة من كل عشرة عمال منزليين (38.8 في المئة) هم ذو أصول مهاجرة.
وهذه النسبة أعلى أربع مرات من نسبة المهاجرين من السكان في فرنسا المقدرة بنحو 10.3 في المئة.
كما يوجد المهاجرون بشكل كبير في قطاعات البناء والأشغال العامة والأمن والفنادق والمطاعم، أي أن وجودهم أساسي في الوظائف التي تتطلب مهارات منخفضة أو عمالا مهرة وغير مهرة.
وفي المقابل، يوجد أيضا مدراء تنفيذيون وحرفيون في قطاعات مهمة، فبعض التقارير تفيد بأن عدد المهاجرين في فئة “المهنيين السياسيين ورجال الدين” أعلى من المتوسط.
وعلى العكس من ذلك، فإن وجود العمال المهاجرين أقل من المتوسط في وظائف منها الخدمة المدنية، حيث الوظائف الشاغرة متاحة للأوروبيين فقط و”يمكن توظيف الأجانب غير الأوروبيين كعاملين بعقود”، وفقا للدراسة.
كما أن بعض الوظائف العامة، مثل الجيش والشرطة، مخصصة فقط للمواطنين الفرنسيين.
وإضافة إلى القيود القانونية التي تحول دون وجود المهاجرين في بعض الوظائف، عزت الدراسة التمثيل المنخفض للعمال المهاجرين إلى عوامل منها “ممارسة اللغة الفرنسية، ومعادلة الشهادات، ومنطق التوظيف، والسلوك التمييزي ضد المهاجرين”.
العرب