إسطنبول– بعد أكثر من شهر على إعلان حزب العدالة والتنمية التركي -بزعامة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان- رؤية الحزب للمئوية الثانية للجمهورية تحت عنوان “قرن تركيا” التي تضمنت جانبا اقتصاديا، شهد الثالث من ديسمبر/كانون الأول الجاري إعلان حزب المعارضة الرئيسي عن رؤيته هو الآخر تحت عنوان “الدعوة من أجل القرن الثاني”، وتضمنت تعهدات بجلب الاستثمارات لتركيا ووضعها في سلم المنافسة العالمية، كما تضمنت الإعلان عن تعيين مستشارين اقتصاديين أجانب لرئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، مما أثار جدلا مع الحكومة.
ومع تصاعد المنافسة على الدعاية الانتخابية بين المعارضة والحكومة، في الطريق نحو الانتخابات العامة المزمعة يوم 18 يونيو/حزيران المقبل، يتسابق الجانبان على تقديم الوعود بإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، والتي تتداخل مع أزمات عالمية أخرى.
وكان أردوغان كشف يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن رؤية “قرن تركيا” التي تضمنت الأهداف التي سيسعى حزبه لتحقيقها خلال الـ100 عام القادمة، وتعهد بجعل البلاد واحدة من أكبر 10 دول في العالم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية.
وحدد أردوغان هدفا قصير الأمد يتمثل في بلوغ حجم التجارة الخارجية لتركيا تريليون دولار، والعائدات السياحية 100 مليار دولار. كما تعهد بزيادة قدرة تركيا التنافسية في العالم في كل المجالات من الصناعة إلى الزراعة، مؤكدا هدف حزبه بتحويل تركيا إلى أهم وأكبر الدول الصناعية والتجارية في العالم.
وأشار إلى مضيهم قدما في تأسيس وتطوير مرافق البنية التحتية من أجل تحويل تركيا إلى مركز إنتاج وتوريد عالم، الذي تجلت أهميته بعد وباء كورونا.
“قرن تركيا”
رأى مراقبون أن الرؤية الجديدة لحزب العدالة والتنمية تأتي في سياق التحضير للانتخابات، وكتب سعيد الحاج، الكاتب والباحث في الشأن التركي، في مقال نشر في الجزيرة نت، أن إعلان “قرن تركيا” جاء قبل عام واحد من الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، التي ستأتي حكما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها يونيو/حزيران المقبل، وبالتالي كان الربط بينها وبين هذه الانتخابات أمرا بديهيا.
وأضاف الحاج أنه ليس من المبالغة القول إن الإعلان كان بمثابة إطلاق ضمني وغير رسمي لحملة الحزب للانتخابات المقبلة، التي لطالما وصفت بالمصيرية والحاسمة، وربما اختير “قرن تركيا” شعارا لها.
وإذا كانت رؤية حزب العدالة والتنمية الجديدة لا تتضمن تفاصيل حول البرنامج الاقتصادي، بل خطوطا عامة وأهدافا، فإنه يمكن الوقوف على الخطط المفصلة للحزب بالنظر إلى نهج الحكومة الحالي المتمثل في الاستمرار بسياسة خفض الفائدة، لدعم استمرار النمو، بالإضافة إلى المشاريع التي أعلنت عنها وتلك التي بدأت بتنفيذها.
وتحدث أستاذ الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب التركية، إبراهيم أصلان، للجزيرة نت عن أبرز هذه المشاريع التي ستؤثر -برأيه- على قرار التصويت للناخبين في انتخابات 2023 التي يسعى حزب العدالة والتنمية إلى الفوز بها.
وفي حين أشار الأكاديمي التركي إلى أن البرنامج الاقتصادي للحكومة ينبغي أن يكون “قويا ومتناسقا” لضمان الفوز بالانتخابات، لخص الخطوط الرئيسية لبرنامج حزب العدالة والتنمية على النحو التالي:
مشروع الإسكان الاجتماعي المنفذ من قبل شركة “توكي”.
رفع الحد الأدنى للأجور.
حل مشكلة سن التقاعد.
برامج الدعم الاجتماعي للأسر.
إعادة هيكلة الديون.
استمرار برنامج الودائع بالليرة التركية المحمية.
حزم الدعم للمزارعين والطلاب والمحتاجين إلى المساعدة.
وأوضح أصلان أنه على الرغم من أن التطورات الإقليمية والعالمية أثرت سلبا على البرامج الاقتصادية المنفذة، فقد استمر تنفيذها. ولفت إلى أن الموظفين الاقتصاديين لحزب العدالة والتنمية بدؤوا في تنفيذ البرامج الاقتصادية الجديدة لتخفيف الآثار السلبية للأزمات العالمية، لا سيما أزمة سلاسل التوريد على خلفية جائحة كوفيد-19.
الدعوة من أجل “القرن الثاني”
أما حزب الشعب الجمهوري، فقد وعد رئيسه كمال كليجدار أوغلو بجلب 100 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة إذا فاز حزبه في الانتخابات، وجاء ذلك في المؤتمر الذي أعلن فيه عن رؤية أكبر أحزاب المعارضة للمئوية الثانية للجمهورية التركية، وكشف فيه عن بعض برامجه الاقتصادية.
وبالإضافة إلى 100 مليار دولار من الاستثمار المباشر، تعهد كليجدار أوغلو بأن تؤمن حكومته المفترضة استثمارات إضافية بقيمة 75 مليار دولار من صناديق التقاعد وصناديق الثروة في الخارج، من بين موارد أخرى.
وفي حين أفاد زعيم المعارضة بأن 70 خبيرا جديدا انضموا إلى حزب الشعب الجمهوري، ووصفهم بأنهم “فريق العقل الخارج عن السياسة”، فقد تضمن الحدث كلمات لكبار مساعديه الاقتصاديين، بمن فيهم الأستاذ دارون عاصم أوغلو، الخبير الاقتصادي الأميركي (من أصل تركي) بمعهد ماساشوستس.
ومن بين الأسماء المعلنة، الاقتصادي الأميركي جيريمي ريفكين الذي كان مستشارا لشؤون التكنولوجيا للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، والأكاديمي في جامعة بيلكنت البروفيسور ريفيت جوركيناك، وكبير الاقتصاديين السابق للبنك المركزي التركي البروفيسور الدكتور هاكان كارا.
وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري فائق أوزتراك إن الحزب سيعين محافظا للبنك المركزي “يحظى باحترام العالم بأسره، وسيكون هدفه خفض التضخم بشكل دائم إلى خانة الآحاد”.
من جهته، قال عاصم أوغلو إن التضخم لن يخفض إلا من خلال “التطبيع في السياسة النقدية، وعن طريق تثبيت السياسات على أسعار الفائدة”.
اقتصاد “المستوردين”
وأثار تعيين زعيم المعارضة للخبير الأميركي جيرمي ريفكين كبيرا لمستشاريه الاقتصادين ردود فعل من جانب وزراء في الحكومة، فقد كتب وزير المالية التركي نور الدين نباتي -في تغريدة له على تويتر- “عزيزي كيلجدار أوغلو، نحن نعتمد على العلم، لكننا لا نعتمد أبدًا على وكلاء الاقتصاد المستوردين”، وأضاف “أولئك الذين يعتمدون على وكلاء الاقتصاد المستوردين يعدون بأسعار فائدة عالية خلف كواليس العروض المبهرجة”.
من جهته، كرر وزير العمران والبيئة والتغير المناخي مراد كوروم وصف مستشاري كليجدار أوغلو بـ”المستوردين”، فقال -في كلمة له في البرلمان وأعاد نشرها عبر حسابه على تويتر- “لم تكن أعيننا على الخارج أبدًا، لم نعتمد أبدًا على خبراء مستوردين لا في المناخ ولا في التخطيط العمراني، فما بالك بالاقتصاد! آذاننا وعقولنا دائما نحو شعبنا”.
أما الكاتب والصحفي المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، فقد نقل -في مقال له بصحيفة حرييت- أقاويل تفيد بأن ريفكين يتقاضى ما معدله 20 ألف دولار يوميًا لقاء العروض التقديمية التي يعدّها لرئيس حزب الشعب الجمهوري.
وفي حديث له على إحدى القنوات المحلية، ردّ كليجدار أوغلو على الانتقادات الموجهة إليه على خلفية تعيينه ريفكين بقوله: “نبينا يقول اطلبوا العلم ولو في الصين”، معقبًا بأنه “لا يوجد ما يدعو للغضب في تعيينه، بل ينبغي لأردوغان أن يشعر بالفرح إزاء تعيين شخص عمل مستشارا لشؤون التكنولوجيا للمستشارة الألمانية ميركل كبير مستشاري رئيس أكبر أحزاب المعارضة”.
المصدر : الجزيرة