واشنطن – توقع الخبراء بعضاً من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والمناخية التي من الممكن أن نراها قبل عام بالضبط من هذه الأيام، ورأيناها بالفعل، وفقاً لما كتبه الدبلوماسي والكاتب الأميركي ريتشارد هاس في مقال نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ولكن الكثير منها لم يكن متوقعا، وجميعها توفر لنا دروسا نتجاهلها على حساب سلامتنا جميعا.
ويعتقد عدد غير قليل من الأكاديميين أن الدرس الأول المستفاد من العام 2022 هو أن الحرب بين الدول كانت قد عفا عليها الزمن. فما نشهده في أوروبا هي حرب إمبريالية قديمة، يسعى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقضاء على أوكرانيا ككيان مستقل يتمتع بالسيادة. وهدفه هو التأكد من عدم قدرة أيّ دولة ديمقراطية تسعى لعلاقات وثيقة مع الغرب على الازدهار على حدود روسيا وتمثل قدوة قد تصبح جذابة للروس.
وبدلا من تحقيق الانتصار السريع والسهل الذي كان يتوقعه، اكتشف بوتين أن جيشه لا يتمتع بالقوة التي تؤهله لذلك، وأن خصومه أكثر إصرارا مما كان يتوقعه هو والكثيرون في الغرب. ومضت عشرة شهور والحرب مستمرة ولا تلوح لها نهاية في الأفق.
ويمكن أيضاً استخلاص درس يفيد بأن فكرة الاعتماد الاقتصادي المتبادل تمثل حصنا في مواجهة الحرب، لأنه لن يكون لدى أيّ طرف مصلحة في عرقلة العلاقات التجارية والاستثمارية المفيدة لجميع الأطراف، فلم تعد فكرة مقبولة. فالاعتبارات السياسية لها الأولوية. وفي حقيقة الأمر، فإنه من المرجح أن يكون اعتماد الغرب بصورة كبيرة على إمدادات الطاقة الروسية قد ساهم في اتخاذ بوتين قرار الغزو، لاعتقاده بأن أوروبا لن تقف ضده.
فشل التكامل الاقتصادي
أما الدرس الثالث فهو أن التكامل الذي حرك عقودا من السياسة الغربية تجاه الصين قد فشل أيضا. واعتمدت هذه الاستراتيجية أيضا على الاعتقاد بأن العلاقات الاقتصادية، إلى جانب العلاقات الثقافية والأكاديمية وغيرها، سوف تؤدي إلى تطورات سياسية، تدفع نحو ظهور صين أكثر انفتاحا وتوجها نحو السوق وأكثر اعتدالا في سياستها الخارجية.
ويقول هاس إنه لم يحدث أيّ شيء من ذلك، على الرغم من أنه يمكن بحث ما إذا كان الخطأ يرجع إلى مفهوم التكامل أم إلى الطريقة التي تم بها تطبيقه؛ وهو أمر يجب بحثه. والواضح هو أن النظام السياسي في الصين أصبح أكثر قمعا، واقتصادها يتحرك في اتجاه أكثر اقتصارا عليها، وسياستها الخارجية تزداد صرامة.
والدرس الرابع هو أن العقوبات الاقتصادية، التي كانت الآلية المفضلة للغرب وشركائه في الكثير من الحالات عند الرد على انتهاكات الحكومات لحقوق الإنسان أو قيامها بأي عدوان خارجي، نادرا ما حققت تغييرات مجدية في سلوك تلك الحكومات. وحتى عدوان صارخ ووحشي مثل عدوان روسيا ضد أوكرانيا فشل في إقناع معظم حكومات العالم بعزل روسيا سياسيا أو اقتصاديا، ورغم أن العقوبات التي يقودها الغرب قد تضعف القاعدة الاقتصادية لروسيا، فإنها لم تصل إلى حد إقناع بوتين بالتخلي عن سياسته.
والدرس الخامس هو أن هناك حاجة للتوقف عن استخدام عبارة ”المجتمع الدولي”. فليس هناك مجتمع دولي. فحق النقض الذي تتمتع به روسيا في مجلس الأمن جعل الأمم المتحدة عاجزة. وعلاوة على ذلك لم يكن هناك قدر كبير من المواجهة العالمية لجائحة كوفيد- 19، وهناك قدر قليل من الاستعدادات للتعامل مع الجائحة المقبلة. ومع ذلك، يظل النهج متعدد الأطراف أمرا أساسيا، ولكن فعاليته سوف تعتمد على وضع ترتيبات أضيق نطاقا بين الحكومات المتشابهة في التفكير.
ومن الواضح أن الديمقراطيات تواجه نصيبها من التحديات، ولكن المشكلات التي تواجهها النظم السلطوية ربما تكون أكبر. فالأيديولوجيا وبقاء النظام يحركان غالبا عملية صنع القرارات في مثل هذه النظم، وغالبا ما يرفض القادة السلطويون التخلي عن السياسات الفاشلة أو الاعتراف بالأخطاء خشية اعتبار ذلك دلالة على الضعف، ويؤدي إلى مطالب عامة بتحقيق تغيير أكبر. ولا بد دائما أن يشغل بال هذه النظم التهديد باندلاع احتجاجات جماعية، كما هو الحال في روسيا، أو كما شاهدنا بالفعل مؤخرا في الصين وإيران.
ديمقراطيات وتحديات
يبرز احتمال تمكين الإنترنت للأفراد لتحدي الحكومات أكبر في الديمقراطيات عنه في النظم المغلقة. فالنظم السلطوية مثل أنظمة الصين وروسيا وكوريا الشمالية يمكنها إغلاق مجتمعاتها، ومراقبة المحتوى أو منعه أو كليهما. ومن ناحية أخرى تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي في الديمقراطيات عرضة لنشر الأكاذيب، والمعلومات المضللة التي تزيد من الاستقطاب وتجعل الحكم أكثر صعوبة.
وما يزال هناك ”غرب”، وهو لفظ يعتمد على القيم المشتركة أكثر من الجغرافيا، وما تزال التحالفات أداة مهمة لتعزيز النظام. فقد واجهت الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو بفعالية العدوان الروسي ضد أوكرانيا. كما أن الولايات المتحدة كونت علاقات أكثر قوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الخطر المتزايد الذي تمثله الصين، لاسيما من خلال تحالف كواد (الذي يضم أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة)، وتحالف أوكوس (الذي يضم أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، وزيادة التعاون الثلاثي مع اليابان وكوريا الجنوبية.
درس آخر يقول إن قيادة الولايات المتحدة مستمرة في أن تكون أساسية. ولا يمكن للولايات المتحدة العمل بصورة أحادية في العالم إذا أرادت أن تكون مؤثرة، ولكن العالم لن يتحد لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة وغيرها إذا كانت الولايات المتحدة سلبية أو مهمشة. والاستعداد الأميركي للقيادة من الأمام وليس من الخلف هو أمر مطلوب في الغالب.
ويعترف هاس قائلاً ”يتعين علينا أن نكون متواضعين بالنسبة إلى ما يمكن معرفته“. ومن دواعي التواضع القول إن قليلا من الدروس سالفة الذكر كان من الممكن التكهن به قبل عام. وما تعلمناه هو ليس فقط أن التاريخ قد عاد، ولكن أيضا أنه في أفضل الأحوال أو أسوئها يحتفظ بقدرته على أن يفاجئنا. ومع مراعاة ذلك دعونا نستقبل 2023.
العرب