عقبات كثيرة تعوق اتفاق الانتقال السياسي في السودان

عقبات كثيرة تعوق اتفاق الانتقال السياسي في السودان

الخرطوم – خرجت الاثنين مظاهرات في مدن سودانية بينها العاصمة الخرطوم، للمطالبة بإبعاد العسكريين عن السلطة ورفضا لـ”الاتفاق الإطاري” بين المكون العسكري وقوى مدنية، فيما يقول محللون إن الاتفاق يواجه عثرات كثيرة، من بينها عدم ثقة الأطراف التي وقعته وانقسامات بشأن قضايا تُركت دون حسم إلى مرحلة ثانية من المحادثات.

وردد المتظاهرون الذين كانوا يحملون الأعلام الوطنية هتافات “مناوئة” للعسكريين وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق)، وتطالب بالحكم المدني الكامل.

ورفعوا لافتات كُتبت عليها شعارات “نضال متواصل.. يسقط القاتل” و”لا للحكم العسكري” و”دولة مدنية كاملة” و”لا للتسوية السياسية” و”لا للاتفاق الإطاري” و”نعم للحكم المدني الديمقراطي”.

وقال حسن بابكر (35 عاما)، أحد المحتجين في الخرطوم، إنه لا يمكن الوثوق بعبدالفتاح البرهان (قائد الجيش) وإنهم يخشون من “ألا يسمح للطرفين بالتوصل إلى اتفاق أو يقوم بانقلاب على الاتفاق لمحاباة فلول البشير والإفلات من العدالة”.

الاتفاق يواجه عثرات كثيرة، بينها عدم ثقة الأطراف التي وقعته وانقسامات بشأن قضايا تُركت دون حسم

ويأتي ذلك في وقت انحصرت فيه ترشيحات قوى الحرية والتغيير لتولي رئاسة مجلس الوزراء السوداني المقبل في اسمين.

وتصدّر اسم وزير العدل السابق في حكومة عبدالله حمدوك، نصرالدين عبدالباري، الذي ارتفعت أسهمه بقوة خلال الفترة الأخيرة، إلى جانب القيادي في الحرية والتغيير ورئيس الحركة الشعبية/ التيار الثوري، ياسر عرمان.

ويرى المحللون أن الاتفاق الإطاري الذي وقعه الجيش وأحزاب مدنية في الخامس من ديسمبر لا يوفر ما يضمن أن قادة الجيش الذين قاموا بانقلاب قبل ما يزيد قليلا على عام سيتنازلون عن السلطة الحقيقية، على الرغم من وعدهم بالابتعاد عن السياسة.

وأدخلت سيطرة الجيش على السلطة في أكتوبر 2021 السودان في حالة عدم يقين، مما أثار حملة طويلة من المظاهرات الحاشدة ضد الجيش وعرقل الانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي بدأ بعد الإطاحة برئيس السودان الذي ظل في الحكم فترة طويلة، عمر البشير، قبل عامين ونصف العام.

ويرسم الاتفاق الإطاري الموقّع هذا الشهر طريق الخروج من الأزمة للبلد الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، ويتميز بموقع إستراتيجي بين البحر الأحمر ومنطقة الساحل الأفريقي، لكنه لا يحدد موعدا نهائيا وينطوي على غموض بشأن الخطوات التالية.

ومن بين العقبات معالجة الأسباب التي أججت التوترات بين العسكريين والمدنيين عندما تقاسموا السلطة قبل الانقلاب: إصلاح القطاع الأمني، وتحقيق العدالة للمدنيين الذين قتلوا خلال الاحتجاجات، وتفكيك نظام البشير، والدفع إلى إنهاء عقود من الصراع الداخلي في منطقة دارفور وغيرها من المناطق الأخرى.

وقال المحلل السياسي خالد التيجاني إن هذه هي القضايا الأساسية في السياسة السودانية وهي أكثر نقاط الخلاف تعقيدا، وقد تكون هي سبب انهيار الاتفاق مستقبلا.

وتم إبرام الاتفاق برعاية قوى دولية من بينها الولايات المتحدة والسعودية التي أيدت بتردد الانتقال بعد عزل البشير.

وينص الاتفاق، نظريا، على انسحاب الجيش من السياسة واقتصار دوره الرسمي على مجلس دفاع تحت إشراف رئيس الوزراء. لكنه يسمح للجيش بالتحكم في أي إصلاحات هيكلية به ويسمح للحكومة بطلب تدخله في أمور غير عسكرية في حالات غير محددة.

وقالت مصادر من الأطراف المدنية التي وقعت الاتفاق إن هناك أيضا اتفاقا على إبقاء رئيس مجلس السيادة الحالي، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، في منصبيهما العسكريين. ومن شأن ذلك أن يمنحهما حصانة مؤقتة من المحاسبة على العنف الذي ارتكبته قوات الأمن بحق المتظاهرين وفي دارفور.

وقال مجدي الغزولي الباحث في معهد ريفت فالي إنه يرى أن هناك بابا مفتوحا بشكل ما للتدخل العسكري في الشؤون المدنية مع غلق الباب أمام التدخل المدني في الشؤون العسكرية.

ويصف دبلوماسيون غربيون الاتفاق بأنه خطوة أولى إيجابية، ودعوا إلى الإسراع في تعيين حكومة مدنية.

ووسّعت الولايات المتحدة سياستها الخاصة بتقييد منح التأشيرات لأولئك الذين يُعتقد أنهم يقوضون الانتقال الديمقراطي في السودان، فيما قالت إنها تتعاون مع شركاء لتنسيق الدعم الاقتصادي.

وقالت مصادر من الأطراف المدنية في الاتفاق إن هناك مشاورات تجري في الخرطوم لإجراء محادثات بشأن القضايا العالقة. لكن لم يتضح بعد توقيت تعيين رئيس للوزراء، ويتوقع المحللون أنه بشكل متفائل للغاية، فإن هناك مهلة غير رسمية مدتها شهر لاستكمال الاتفاق.

وعلى المستوى المحلي فقدت أحزاب تحالف مدني كان يحظى بدعم شعبي عقب انتفاضة عام 2019 ومخضرمون على الساحة السياسية في الخرطوم مكانتهم وانقسموا على أنفسهم.

وقالت خلود خير من مؤسسة إنسايت إستراتيجي بارتنرز السودانية للأبحاث إن الكثير من الأمور تتوقف على مدى قدرة التحالف المدني الذي وقّع الاتفاق، قوى الحرية والتغيير، على حشد دعم المجتمع الدولي للضغط على القادة العسكريين.

وأضافت أنه رغم ذلك هناك خطر استمرار الجيش في التدخل في السياسة الاقتصادية والخارجية، مع ترك عبء الحكم وسط تدهور الوضع الإنساني ليتحمله المدنيون. وأشارت إلى أن ذلك سيكون مزعزعا جدا للاستقرار.

العرب