كشف رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن تفكيك شبكات لتهريب النفط في أربع محافظات عراقية، تضمّ عدداً من قوات الأمن أسهموا في توفير الحماية لها، وفيما كشف عن القبض على أكثر من 120 شخصاً متورطاً بهذا الملف، تحدّث عن معلومات جديدة بشأن «سرقة القرن» المتعلقة بالأمانات الضريبية، مبيناً إن المتهم الرئيس في القضية أٌرّ بسرقة أكثر من مليار دولار، من مجوع 2.5 مليار.
السوداني ذكر في مؤتمر صحافي عقده مساء الاثنين، عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء، إن «تهريب النفط يعد واحداً من الملفات الكبيرة التي رافقت الحديث طيلة السنوات السابقة، ويستنزف ثروة العراق»، مبيناً إن «آخر حصيلة لغاية اليوم (مساء أول أمس)، تم تفكيك شبكات تهريب في بغداد والبصرة وديالى وكركوك، وأسفرت عن مصادرة مليون و781 ألفاً و971 لتراً، كذلك مصادرة 66 صهريجاً».
وأشار إلى إن «هناك شبكة من بعض منتسبي الأجهزة الأمنية الذين قاموا بأعمال الحماية والتسهيل لمرور هذه الصهاريج»، لافتاً إلى «إلقاء القبض لحد الآن على 18 منهم، و14 هاربون من الأجهزة الأمنية. ويبلغ عدد المتورطين بعمليات التهريب من غير منتسبي الأجهزة الأمنية ممن ألقي القبض عليهم بحدود 121 متهماً».
ووفقاً للسوداني فإن «الكميات المهربة من المشتقات النفطية، التي كانت تسبب أزمة داخل المدن، في محافظة ديالى، بحدود مليوني لتر يوميا، وفي محافظة البصرة كانت بحدود خمسة ملايين و600 ألف لتر يومياً من المشتقات النفطية المدعومة من الخزينة العامة».
كشف عن تورّط عشرات المنتسبين الأمنيّين بشبكات تهريب النفط في أربع محافظات
وفي ملف الإجراءات القضائية المتعلقة بـ»سرقة الضمانات الضريبية» والتساؤل الذي يطرح بعد مهلة الأسبوعين التي حددها المتهم بالتعهد الذي قدمه لقاضي المحكمة المختص، أكد السوداني قائلاً: «ثقتنا كبيرة بالقضاء العراقي وبإجراءات المحكمة في عملية استرداد المال المسروق في هذه القضية»، موضحاً إن «الحكومة ومن خلال أجهزتها الأمنية وهيئة النزاهة كمؤسسة رقابية والفريق الساند يتابع هذا الملف ويتواصل مع المحكمة المختصة، وكلنا ثقة بأن تنجح المحكمة في هذه القضية على وفق التعهدات التي قدمها المتهم الرئيس».
وأفاد بأن «هناك نوع من التعقيد يواجه عملية استرداد المبالغ، بسبب تنوع هذه الأموال بين أصول وعقارات يحتاج بيعها، خصوصا أن أغلبها تحت طائلة الحجز والكل يعلم صعوبة بيع عقار محجوز»، فيما لفت إلى إن «القسم الآخر الذي يواجه المحكمة في عملية الاسترداد أن المتهم الرئيس قد وزع الأموال بين مجموعة مصارف وشخصيات متعددة بين قطاع خاص وما شاكل، ويواجه صعوبة في مسألة استردادها». وأضاف: «القاضي المختص يتابع مع المتهم، وهناك أوامر قضائية تصدر بحق الأشخاص الممتنعين، بعد تقديم أدلة تثبت أن المتهم الرئيس قد حول لهم المبالغ التي كانت جزء من السرقة. المتهم اعترف بسرقة حدود ترليون و600 مليار دينار (أكثر من مليار دولار)».
وزاد: «كحكومة لن نتخلى عن محاسبة المتهمين هذا أولاً، وفي الوقت نفسه نضع أولوية لاسترداد المال العام المسروق. فالأموال التي سرقت هي ضمانات ضريبية وممكن أن تراجع الشركات وتطالب بها، والحكومة تضطر لتسديد هذه المبالغ من المال العام، لذلك الأولوية أمامنا هي كيف نسترجع الأموال، ويبقى القضاء صاحب الصلاحية القانونية والدستورية في محاسبة المتورطين بهذه العملية».
ومضى السوداني يقول: «أننا في تواصل مع إجراءات المحكمة أولاً بأول، ولدينا ثقة كبيرة بإجراءات القضاء والطريقة التي يتعامل بها في مسألة استرداد الأموال. كل الضمانات موجودة ونطمئن الجميع ، لن يكون هناك من يفلت من المحاسبة، ولن يكون هناك تسوية على حساب المال العام أبداً».
وأشار إلى «الفريق الأمني الساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد التي شُكلت بموجب القانون، برئاسة هيئة النزاهة، وهذه ميزة للهيئة وللفريق الساند أنها جاءت وفق القانون وتختلف عن الأوامر السابقة التي كانت خلافاً للسياق الدستوري والقانوني. والعمل متواصل في كل الملفات، وسيكون هناك إنضاج لهذه الملفات والإعلان عنها قريباً».
ورأى رئيس الحكومة العراقية إن «مكافحة الفساد ليست وعوداً، إنما برنامج مصوّت عليه في مجلس النواب، وبوجود القوى السياسية والأحزاب، وبالتالي فهي التزام أمام الشعب ومجلس النواب، والجميع اليوم على المحك في ترجمة هذا البرنامج إلى واقع عملي ملموس في فتح قضايا الفساد الإداري والمالي ومحاسبة المتورطين واسترداد المال العام»، معتبراً إن «مكافحة الفساد هي مطلب شعبي قامت على أساسه التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، وكان مطلباً وطنياً وجرى تبنيه من القوى السياسية كافة والتزمت به الحكومة، والمتحدث أيضاً ملتزم بهذه العملية». وشدد السوداني بالقول: «لا يمكن أن نعيد الثقة بين الشعب والعملية السياسية من دون الإجراءات الحقيقية الرادعة بحق الفساد والمفسدين، أياً كانوا. وإلا فإن الفشل سيتكرر على الجميع من دون استثناء».
وبشأن ملف ارتفاع أسعار الدولار مقارنة بالدولار الأمريكي، وما يلقيه من تداعيات على السوق والطبقات فقيرة ومتوسطة الدخل، أوضح السوداني إنه «في الآونة الأخيرة هناك زيادة واضحة بأسعار الدولار مقابل الدينار في الأسواق المحلية والحوالات الخارجية. البنك المركزي الجهة المعنية بالسياسة النقدية في البلد، أوضّح أن السبب يعود إلى مجموعة عوامل منها مباشرة البنك بتشغيل المنصة الإلكترونية التي ترفع المصارف طلبات زيادة زبائنها للبنك».
وأضاف: «باشر البنك المركزي ببناء هذه المنصة منذ أشهر بالتنسيق مع جهات دولية لغرض أحكام وتنظيم نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية وتضمن فاعلية الرقابة عليها»، مبيناً إنه «في كل الحديث الذي يرافق نافذة بيع العملة كان التركيز على ضرورة التدقيق في عمليات البيع والتحقق هل فعلا إن هذه الحوالات تذهب لسلع مستوردة وبأسعار حقيقية، ومن الواضح تماما أن هذه الآلية غير موجودة. هناك شركات وهمية وهناك أسعار مبالغ بها لذلك تم رفض هذه الحوالات من قبل البنوك الوسيطة».
وأشار إلى إن «بعض الحوالات التي رفضت مثبت في استمارة مستند الشراء (مثلاً) شراء ثلاجة بسعر 4800 دولار، ولتر الزيت مثبت بسعر 25 دولارا، هذا التضخيم بالأسعار من أجل إخراج الدولار خارج العراق»، مؤكداً إن «الحكومة تراقب سياسة البنك بهذا الاتجاه وبالشكل الذي يضمن استقرار السوق وخاصة ما يتعلق بالمواد الغذائية». وطمّأن السوداني بأن «الحكومة لديها السيطرة على تأمين المواد الغذائية من خلال مفردات البطاقة التموينية وحتى مادة الطحين، كذلك من خلال السيطرة على أسعار السوق المحلية»، كاشفاً عن طلب الحكومة من البنك المركزي «اتخاذ خطوات سريعة لتعويض النقص بعملة الدولار الحاصل في الأسواق من خلال تسهيل توفيرها للمسافرين وللطلبة لمن يريد التحويل».
وتابع: «اتخذ مجلس إدارة البنك المركزي عدة قرارات منها قرار تشجيعي بتخفيض سعر الدولار مقابل الدينار للمستوردين لتغطية فتح الاعتمادات المستندية من 1455 ديناراً بدلاً من 1460»، لافتاً إلى اتخاذ البنك «إجراءات تتعلق بتنويع الحوالات الخارجية، اعتمادات وحوالات بسلة عملات أجنبية بالإضافة إلى الدولار لتغطية الاستيرادات، وسوف يعلن عنها في وقتها»، فضلاً عن قرار البنك «تخفيض سعر الصرف للدولار لبطاقات الدفع الإلكتروني من 1470 ديناراً للدولار الى 1455».
وزاد: «اتخذ البنك المركزي قراراً مهماً بفتح منافذ لبيع الدولار وتنفيذ التحويلات التجارية للمستوردين من خلال المصارف الحكومية، وهذا يصب في مسألة السيطرة على الأسعار».
وتحدّث السوداني أيضاً عن توجيه وزارة التجارة بـ»تسهيل إجراءات إصدار إجازات الاستيراد، كما وجهنا وزارة المالية بالمباشرة بإجراءات إصلاحات عاجلة في النظام الجمركي والضريبي بالمنافذ الحدودية، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقضاء على مخاوف بعض المستوردين من إمكانية التعسف الضريبي، واليوم لدينا قرار لمجلس الوزراء بهذا الشأن».
ورأى أن «الوضع المالي للعراق اليوم في أحسن أحواله، وصل احتياطي البنك المركزي إلى مستوى 96 مليار دولار، وهذا ما يمكّن البنك المركزي من تحقيق استقرار سعر الصرف»، مشيراً إلى أن «رؤيتنا واضحة في أن نستثمر الوضع المالي الجيد حالياً لبناء قاعدة اقتصادية صلبة وتقليل الاعتماد الكلي على النفط».
وطبقاً لرئيس الحكومة العراقية فإن «هناك أكثر من برنامج وسياسة وإجراءات للحكومة في مجال تنشيط القطاع الخاص وإصلاحه من المصارف لتكون مرتكزاً قوياً داعماً للاستثمار».
القدس العربي