نهاية تامة وبلا عودة لعصر النفط الرخيص

نهاية تامة وبلا عودة لعصر النفط الرخيص

العقوبات الغربية على روسيا، وخصوصا في مجال إنتاجها النفطي، ومسعى أوبك للحفاظ على أسعار عالية للنفط من خلال التحكم بالإنتاج، والحاجة إلى تعزيز الخزين الإستراتيجي للولايات المتحدة، كلها إشارات لا تقبل الشك بأن عصر النفط الرخيص انتهى.

لندن – كشفت أوبك في أحدث تقرير شهري لها أنها فشلت مرة أخرى في إنتاج نفس الكمية التي وافقت على توفيرها في آخر مرة ناقشت فيها الإنتاج. ولم يكن ذلك الفرق ببضعة آلاف من البراميل يوميا بل بحوالي 1.8 مليون برميل يوميا. لكن الأهم من ذلك أن هذا النوع من التراجع في تحقيق الهدف أصبح أمرا معتادا بالنسبة إلى الكارتيل. أثناء ذلك، تحتاج الحكومة الفيدرالية الأميركية إلى شراء بعض النفط لاحتياطيها البترولي الإستراتيجي بعد ضخّ ما يقرب من 200 مليون برميل منها هذا العام لمواجهة تضخم أسعار الوقود. لكن المنقِّبين الأميركيين ليسوا في عجلة من أمرهم لزيادة الإنتاج. حيث يبدو أن نمو الإنتاج فقد مكانته من بين أولوياتهم.

ثم هناك العقوبات ضد روسيا، التي يتوقع الكثيرون أنها ستضر بإنتاج النفط في البلاد. وقد يطرأ ذلك، لكنه لم يحن بعد. ولم يكن للعقوبات النفطية التي تشمل سقفا لسعر الصادرات عبر البحر وفرض حظر على الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي أيّ تأثير على تدفق النفط من روسيا.

وتشير إيرينا سلاف المحللة في موقع “أويل برايس” إلى أن بنوك الاستثمار تتوقع ارتفاع أسعار النفط، على الرغم من الركود الأخير الذي دفعته توقعات التباطؤ الاقتصادي إلى حد كبير في جميع أنحاء العالم. وتستند التوقعات، التي بدأت الآن تتسرب إلى دوائر التجار، إلى حد كبير إلى انقلاب الصين على سياستها الخاصة بـ”صفر كوفيد”. لكنها قد تأخذ في الحسبان حقيقة أن النفط لا يزال سلعة لا غنى عنها. وقد يكون عصر النفط الرخيص قد انتهى إلى الأبد.

وقال بنك مورغان ستانلي هذا الأسبوع في مذكرة “نظل نبني على أسعار النفط مدفوعة بتعافي الطلب (إعادة فتح الصين، وتعافي الطيران) وسط قيود العرض بسبب انخفاض مستويات الاستثمار والمخاطر على الإمدادات الروسية وانتهاء إصدارات احتياطي البترول الإستراتيجي وتباطؤ النفط الصخري الأميركي”.

ومع ذلك، قد يكون الوضع أكثر خطورة فيما يتعلق بالإمداد، كما لوحظ في تعليق حديث من مات سالي، المسؤول في شركة الاستثمار في الطاقة “تورتواز إيكوفين”.

وقال سالي إنّ “مخزون النفط العالمي عند أدنى مستوى له منذ 2004، حيث أصدرت وزارة الطاقة 200 مليون برميل من النفط من الاحتياطي البترولي الإستراتيجي هذا العام، ولا تزال أوبك تكافح لإنتاج حصتها المعلنة، ويساعد المنتجون الأميركيون ولكن لا يمكنهم فعل الكثير”.

وكان هذا وصفا موجزا لوضع إمدادات النفط العالمية، لكن ليس من شأن صورة واحدة إثارة المشاعر الإيجابية. بل من المرجّح أن تثير القلق بسبب قلة الأدلة على أن أيّا من هذه الاتجاهات سيتغير بشكل ملموس في أيّ وقت قريب. فليس لأوبك، على سبيل المثال، أيّ دافع لمحاولة زيادة الإنتاج، كما أشار سالي في تعليقات لموقع “أويل برايس”. ولن تفعل ذلك إلا إذا علمت أن النفط سيبقى أعلى من 100 دولار للبرميل لفترة أطول من الوقت، ولا توجد طريقة تمكنها من الجزم في الوقت الحالي.

كما تكبح القيود المادية إنتاج أوبك، كما يوضح فشل المجموعة المستمر في تحقيق أهدافها الإنتاجية المنخفضة. ولمعظم أعضاء أوبك خطط طموحة لنمو الإنتاج، لكنها تظل حبرا على ورق بينما يظل الإنتاج الفعلي ضعيفا لأسباب مثل النضوب الطبيعي في الحقول والاستثمار غير الكافي.

وكما يشير سالي، لم تنتج أوبك باستمرار أكثر من 30 مليون برميل في اليوم منذ 2015 – 2018 عندما عمدت إلى ذلك في محاولة لتدمير النفط الصخري الأميركي. ونجحت إلى حد كبير بشكل مؤقت. وذلك لأنها لا تريد (ولا تستطيع) أن تفعل.

ويتحول نقص الاستثمار إلى النفط الصخري الأميركي، على الأقل من منظور البيت الأبيض. حيث ترى إدارة جو بايدن أن كل ما يحتاجه المنتجون الأميركيون هو إنفاق المزيد على الإنتاج الإضافي. ووفقا للمنتجين الأميركيين أنفسهم، تبقى التوقعات طويلة الأجل للطلب على النفط غير مؤكدة بشأن الاستثمار في المزيد من الإنتاج.

◙ من غير المتوقع أن يسجل إنتاج النفط الأميركي معدلات زيادة سنوية في الإنتاج تبلغ مليون برميل يوميا أو أكثر، كما حدث في الماضي القريب

كما تتواصل قضية المساحات الرئيسية التي حذر العديد من الخبراء من أنها تنفد. وذكر سالي أن “حفر أفضل مساحة قد تم، وتكافح الصناعة لجذب العمالة ولديها مصادر تمويل محدودة”.

ولا يتوقع أن يسجل إنتاج النفط الأميركي مرة أخرى معدلات زيادة سنوية في الإنتاج تبلغ مليون برميل يوميا أو أكثر، كما حدث في الماضي القريب. ويعتقد أن معدل نمو يتراوح بين 500 ألف و750 ألف برميل يوميا مرجّح للغاية. وهذه ليست أخبارا جيدة للمستهلكين لأن الطلب لن ينخفض ​​قريبا، على الرغم من استهدافه بجهود الانتقال في مجال الطاقة.

وكانت وكالة الطاقة الدولية، وهي واحدة من أكثر الأعضاء نشاطا في حركة انتقال الطاقة، قد عدّلت توقعاتها للطلب العالمي على النفط العام المقبل في تقريرها الأخير عن السوق بالزيادة بسبب زيادة غير متوقعة في الاستهلاك هذا العام.

ومن المحتمل، كما ترى إيرينا سلاف، أن يكون هذا الاتجاه مستداما في غياب بدائل قابلة للتطبيق للمنتجات النفطية. ويعني هذا أن العرض والطلب سيكونان في حالة توازن غير مستقر في المستقبل، على حافة النقص أو حتى النقص العميق، إذا تحوّل محور شركات النفط الكبرى إلى الطاقة منخفضة الكربون، حيث يتطلب ذلك تقليل إنتاجها من النفط لتحقيق صافي أهدافها. ويعني كل هذا أن عصر النفط الخام الرخيص ربما انتهى إلى الأبد.

العرب