تجميد المفاوضات ومستقبل البرنامج النووي

تجميد المفاوضات ومستقبل البرنامج النووي

أخذت مسارات مفاوضات البرنامج النووي الإيراني اتجاهات متعددة غايتها إيجاد منافذ وادوات للعودة إلى الحوار المشترك وبصيغة فاعلة للبحث والتقصي في تحقيق الأهداف والغايات التي تسعى إليها جميع الأطراف، فلا يزال الجميع متمسك بشروطه وإملاءاته وسياسته في سبيل الحصول على منافع ذاتية ومصالح اقتصادية وآفاق سياسية لإنهاء مرحلة زمنية امتدت لعدة سنوات غايتها العودة للإتفاق الذي وقع في شهر اب 2015 والخاص بخطة العمل الشاملة المشتركة.
تعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على السير باتجاه الحصول على المعلومات الميدانية والتقدم التقني والعلمي الذي ترى أن أيران قد تمكنت من تخصيب اليورانيوم في ثلاث مواقع مهمة حول مدينة طهران وتطالب النظام الإيراني بتقديم البيانات والكشوفات لمجمل التطورات التي حصلت ولكن مسؤولي الطاقة الذرية الإيرانية وبتوجيه من القيادة الإيرانية لا يزالون متمسكين بعدم السماح لمفتشي الوكالة الدولية من الاطلاع على أي بيانات أو زيارة المواقع التي يشتبه بتخصيب اليورانيوم فيها وهذا ما يشكل عاملا رئيسيا في عدم الإسراع بعقد جولة المفاوضات العاشرة في العاصمة النمساوية فيينا والتي تسعى إليها الدول الاوربية (المانيا وبريطانيا و فرنسا ) وعبر العديد من المقترحات والمبادرات التي قدمها الاتحاد الأوروبي ممثلا بمسؤول السياسية الخارجية فيه جوزيل بوريل الذي أشار قبل أسبوع إلى أعتقاده(ان ليس لدينا خيار أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة لضمان عدم تطوير إيران لأسلحة نووية ، ويعمل الجميع على إحياء هذا الاتفاق ) ، ولكن واقع الحال لا زالت إيران تستخدم سياسية التعنت والتسويف والمماطلة في التجاوب مع اسئلة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهذا ما سبب إحراجا للاتحاد الأوربي الذي مضى قدما في الإتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية على حزمة من العقوبات تجاه النظام الإيراني بعد تعاظم التظاهرات الشعبية في عموم المدن الإيرانية واتساع نطاق المواجهة مع الأجهزة الأمنية الاستخبارية وسقوط المئات من الضحايا واعتقال الألوف منهم مما اثر بشكل مباشر على سير المفاوضات وإدامة الحوار بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث بدأت واشنطن وعواصم أوروبية عديدة بمطالبة إيران بالعدول عن سياسة الاضطهاد والتعسف والعمل على تحقيق مطالب الشعوب الإيرانية.
وإمعانا من النظام الإيراني في سياسة المواجهة اعلن محمد سلامي رئيس الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية يوم 17 كانون الأول 2022 وعشية زيارة خبراء الوكالة الدولية(ان إيران زادت من قدرتها على تخصيب اليورانيوم وان قدرة البلاد وصلت إلى أكثر من الضعفين مما كانت عليه دول تاريخ هذه الصناعة ) وهذا ما أثار محافظي الوكالة الدولية التي أعلنت في شهر تشرين الثاني الفائت أن أيران بدأت بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% تحت الأرض في منشأة فوردو النووية .
ان عملية الشد والجذب في التصريحات الإعلامية واللقاءات الجانبية بين أطراف الحوار لا تأتي بجديد إلا أنها تعمل على تصعيد الموقف وعرقلة عملية التفاهم وإيجاد أدوات حقيقية للمباشرة بالمباحثات التي أصبحت تبتعد كثيرا عن إمكانية العودة إليها بعد التصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي في 20 كانون الأول 2022 بقوله (ان الولايات المتحدة لا تتوقع أي تقدم على مسار العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران في المستقبل المنظور وان خطة العمل الشاملة المشتركة ليست في صدارة اهتمامات واشنطن ) ، ويأتي هذا الموقف الصريح بعد عدة أزمات داخلية ومواقف سياسية خارجية وتصاعد حدة المواجهة بين واشنطن وطهران تمثلت في حالة الدعم والاهتمام الذي توليه الإدارة الأمريكية للاحتجاجات الداخلية وقوفها مع أبناء الشعوب الإيرانية ورفضها للسياسة التي يتبعها النظام الإيراني في مواجهة الحشود الجماهيرية المناهضة له ، إضافة إلى قيام طهران بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة التي أصبحت تشكل سلاحا إضافيا في المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك رفض إيران طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش عن الأماكن والمواقع التي ترى أنها تستخدم في عملية تخصيب اليورانيوم والتي مضى عليها أكثر من ستة أشهر، وبسبب هذه المواقف جاء الرد الإيراني بتصريح وزير الخارجية حسين عبد اللهيان بقوله (ان ايران على استعداد للتوصل لاتفاق اذا كانت واشنطن تنوي ذلك ).
رغم جميع المحاولات التي يبديها الاتحاد الأوروبي والوعود التي يقدمها النظام الإيراني والمستلزمات التي تبديها الإدارة الأمريكية إلا أن الوضع العام في عملية إتمام مباحثات البرنامج النووي الإيراني لا زالت متوقفة وغير مجدية لتحقيق غايات وأهداف الأطراف المحاورة ، وهذا ما تحقق في الإعلان الأمريكي عن قرار تجميد المفاوضات بشأن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة والذي أثار حفيظة ممثل روسيا الدائم في فيينا معتبرا أن هذا القرار يشكل مخاطر وتصعيد متزايد بشكل كبير وقد يصبح الأمر خارج السيطرة ، وهو إشارة روسية لدعم الموقف الإيراني ورسالة لواشنطن انه من الممكن أن تعمل ايران على مضاعفة عملية تخصيب اليورانيوم.
الأحداث مستمرة والمواقف متباينة والوقائع زاخرة بالتطورات الميدانية والأيام القادمة كفيلة بتحقيق الكثير في ميدان العلاقات بين واشنطن وطهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية