هل ماتت المفاوضات حول الاتفاق النووي؟ هكذا سئل روبرت مالي الخميس الماضي في مقابلة مع راديو “باردا”، الفرع الفارسي للوكالة الأمريكية للإعلام الدولي. “ليس من مهمتي كتابة تأبين، بل الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة والدفع بها قدماً”، أجاب. “ما زلنا نؤمن بالدبلوماسية ولا يهم ما حدث في الأشهر الأخيرة. ما زلنا نؤمن بأن أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي هو التوقيع على الاتفاق. نحن على استعداد لمواصلة السير في المسار الدبلوماسي”. يبدو حتى الآن أن هذا هو الجواب الرسمي على التقرير الذي نسب للرئيس الأمريكي جو بايدن القول بأن “المفاوضات ماتت، لكننا لن نعلن عن ذلك”.
إلى أي درجة ماتت المفاوضات؟ قد نعرف ذلك من خلال أقوال وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، الذي التقى مع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بورل، على هامش القمة العربية من أجل العراق التي عقدت في الأردن الأسبوع الماضي. “تحدثتُ مع بورل واتفقنا على اتخاذ الخطوات النهائية الضرورية للاتفاق. النافذة مفتوحة، ولكن ليس إلى الأبد”. ليس واضحاً ما “الخطوات النهائية” التي قصدها. ولكنه قال، الخميس، بأنه أدرك أن “الطرف الثاني (الولايات المتحدة بالطبع) مستعد للقيام بالخطوة الأخيرة الضرورية من أجل التوصل إلى اتفاق”. ولكن في أيلول، أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وأن الولايات المتحدة لا ترى الآن أي احتمالية للتوقيع في القريب على الاتفاق.
مع ذلك، استمرت إيران في الحوار مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، والأحد الماضي جاء وفد من الوكالة إلى طهران لمناقشة وسائل الرقابة وفحص المنشآت التي فيها بقايا يورانيوم مخصب، والتي لم تبلغ إيران عنها. بالنسبة للدول الغربية، يبدو أن فحص هذه المنشآت والحصول على معلومات مفصلة عنها هي شروط أساسية لاستئناف المفاوضات. وقالت إيران إنها أعطت جميع المعلومات المطلوبة منها، ووجود بقايا يورانيوم في المنشآت لا يعني بأنها منشآت نووية. حتى الآن رفضت الوكالة الدولية للطاقة النووية ادعاءات إيران، وصممت بتشدد على طلب الحصول على المعلومات.
هل تغير شيء في موقف إيران؟ التقدير أن زيارة الوفد حققت تقدماً، حيث يتوقع إجراء زيارة أخرى في كانون الثاني القادم. وعندها سيترأسها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي. يمكن التقدير بأن رئيس الوكالة لم يكن ليخطط لزيارة إلى إيران لو أدرك بأن المفاوضات لا جدوى منها، وأن الولايات المتحدة قررت التخلي عنها نهائياً.
في القمة التي عقدت في الأردن، شارك وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، والتقى مع نظيره الإيراني. “وعد نظيري السعودي بأن دولته تريد مواصلة الحوار مع إيران”، غرد عبد اللهيان عبر تويتر. السعودية لم ترد، لكن الموضوع الخاص في التغريدة أنها جاءت بعد ثلاثة أشهر على الانتقاد وعلى الهجوم الإيراني على السعودية، بذريعة أنها هي والولايات المتحدة وإسرائيل تغذي وتشجع المظاهرات الكبيرة في إيران، التي بدأت بعد قتل مهسا أميني على يد شرطة الآداب في 22 أيلول. بعد ذلك، اتسعت المظاهرات وأصبحت المواجهات أكثر عنفاً، وقتل فيها أكثر من 300 شخص، وتم اعتقال 18 ألف شخص، بعضهم ينتظرون المحاكمة، وآخرون حكموا، وواحد تم إعدامه.
قبل المظاهرات كانت لإيران والسعودية خمس جولات محادثات هدفها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وهي علاقات قطعت في 2016. رئيس حكومة العراق، محمد السوداني، كلف نفسه عناء ترتيب جولة أخرى كهذه، حتى إنه أعلن الأسبوع الماضي بأنه ينوي التوصل إلى مصالحة بين مصر وإيران أيضاً. لإيران والسعودية مصالح مشتركة مهمة، مثل إنهاء الحرب في اليمن وإنهاء الأزمة السياسية في لبنان، التي تمنع احتمالات النجاة من الانهيار الاقتصادي الذي أوصله إلى الإفلاس. ولكن فوق ذلك، إيران قلقة من تغير توجه الصين، الأمر الذي ربما يتركها بدون حليفها الرئيسي. وقد أقلق إيران بشكل خاص زيارة رسمية قام بها رئيس الصين قبل نحو أسبوعين إلى السعودية وانضمامه للبيان المشترك لدول الخليج. في هذا البيان أكد الموقعون عليه الحاجة إلى حوار حول نشاطات “إيران في المنطقة التي تقوض الاستقرار… ودعم إيران لمنظمات طائفية تعمل في الإرهاب”. إضافة إلى نشر الصواريخ البالستية والمسيرات. خبير إيراني في شؤون الصين، هو أبو الفضل حودائي، حذر في مقابلة مع الموقع الإيراني المقرب من الإصلاحيين “خبر أون لاين” من أن “دول المنطقة ستملأ مكان إيران (في العلاقات مع الصين) بسرعة. على إيران الآن أن تقيم هيئة خاصة من أجل إدارة علاقاتها مع الصين”.
من الواضح لإيران أنه رغم حجم التجارة والصداقة مع الصين، فإن تطبيق الاتفاق الاستراتيجي بين الدولتين، الذي يضمن استثمارات للصين بمئات مليارات الدولارات خلال 25 سنة، مرتبط برفع العقوبات؛ أي استئناف الاتفاق النووي. الضغوط الخارجية هذه يضاف إليها أيضاً انتقاد داخلي حول أداء حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي. حتى الأسبوع الماضي لم يعرض رئيسي على البرلمان ميزانية السنة القادمة. وحتى الآن غير معروف ما سيكون حجمها. على هذه الخلفية فإن أهمية الاتفاق النووي تزداد من ناحية إيران.
القدس العربي