توفر الصين حالة ممتازة لموضوع دراسة حول كيفية عدم إدارة المراحل الأخيرة من الجائحة. فبعد التشبث لوقت طويل بهدف وهمي هو “صفر كوفيد”، أصيب المكتب السياسي الصيني بالهلع بسبب انتشار حالة مزاجية شبه ثورية بين الناس، فسارع إلى إلغاء القيود الصارمة السابقة كلها بشكل فوري تقريباً.
وكانت النتيجة متوقعة، وهي ارتفاع حاد ومفاجئ في عدد الإصابات بكوفيد ما يهدد بضرب اقتصاد البلاد، والأهم من ذلك، نظامها الصحي المتخلف أيضاً. ويعني ذلك في دولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، وقوع عديد من الضحايا، حتى ولو كانت سلالة الفيروس المنتشر تسبب حالات كوفيد-19 من النوع المعتدل نسبياً. وهناك توقعات تفيد بأن نصف سكان شانغهاي، على سبيل المثال، أي نحو 25 مليون نسمة، سيصابون قريباً بكوفيد، ويمكن أن يتكرر الأمر نفسه في أنحاء البلاد كلها.
تكمن المشكلة في أن الحكومة الصينية، التي تعمل بمبدأ أن القضاء على كوفيد ممكن من خلال الاختبارات الكافية والحجر الصحي، قد فشلت في استغلال فترة الإغلاقات، من أجل تقديم اللقاح إلى مواطنيها. وأن المعدل الإجمالي لعمليات التلقيح ضعيف، ويبلغ نحو 60 في المئة، وأن عدد الذين تلقوا جرعة اللقاح المعزز الحيوي منخفض بشكل خطير أيضاً في بعض المجموعات، مثل المتقدمين بالسن.
وعندما سيتعرضون للمرض الشديد، سيكون من المرجح أنهم لن يجدوا مكاناً في وحدة العناية المركزة. لقد أنهيت الإغلاقات بسرعة كبيرة، كما جرى التخلي عن الاختبارات الإجبارية بسرعة كبيرة، بحيث إن أحداً لا يعرف ما الذي يحصل، بما في ذلك السلطات الصينية ومنظمة الصحة العالمية.
والنتيجة الأخرى لهذا الارتفاع الحاد والمفاجئ هي أن الصين، مثل كل الدول الأخرى، ستواجه ضغوطاً اقتصادية واجتماعية مستمرة بسبب آثار كوفيد الطويلة الأمد. وهذا، مرة أخرى، من شأنه أن يحد من قدرة الصين المستقبلية على النمو وتوفير فرص العمل والغذاء لسكانها.
لقد تأثر الاستثمار وقطاع التصدير في البلاد سلفاً بشكل سلبي جراء موجة العداء الغربي للقمع الذي يمارسه الرئيس شي جينبينغ على الساحة الداخلية ونزعة التوسع الخارجي لديه. سيساعد الاضطراب المتجدد بفعل هذه الجولة من كوفيد، على إقناع مزيد من الشركات المتعددة الجنسيات التي تتخذ من الغرب مقراً لها بأن “تعيد إلى الوطن” عمليات الإنتاج التي كانت تجري في الصين، وتنقل المخازن إلى دول مثل الهند وفيتنام وإندونيسيا.
لا شيء من أعلاه أخبار سارة بالنسبة إلى الصين، ولكن باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن هذا الأمر لن يساعد بقية العالم أيضاً على النجاة من الركود الاقتصادي. وإذا توقفت السوق الصينية أيضاً، فإن الصادرات كلها ستتأثر، بدءاً من أدوات الآلات الألمانية إلى منتجات الموضة الإيطالية الفاخرة. ولا تزال الولايات المتحدة تعتمد بشكل خطير على كون الصين قوية بما يكفي لشراء سندات الخزانة الأميركية. وفي اقتصاد لا يزال معولماً، فإن إصابة الصين بالرشح، أو في هذه الحالة بكوفيد، تعني أن بقية دول العالم ستعطس، وسيصاب البعض بالتهاب رئوي.
بعد ثلاث سنوات من اكتشاف الحالات الأولى لمرض غامض جديد يسبب الحمى، في ووهان، اضطرت الصين إلى تغيير نهجها من سياسة صفر كوفيد إلى “التعايش مع كوفيد”. ومن الممكن أن تتطور متحورات ومتحورات فرعية أكثر خطورة خلال هذه الطفرة الهائلة والمفاجئة في تفشي العدوى، مع وجود مئات ملايين البشر ممن هم على وشك احتضان الطفرات الحالية لفيروس كورونا.
وكما اكتشفنا في عام 2020، من المستحيل ببساطة منع الفيروس من اجتياز الحدود الدولية. وينتظر العالم بخوف ما قد يخرج من الصين.
ليس هناك من فائدة تذكر للعالم جراء مشاهدة الملايين وهم يموتون والصناعات الصينية تتوقف من جديد، ولكن من الجدير بالذكر أن نظام الحكم التعتيمي والقمعي في الصين كان عاملاً مهماً في استسلام البلاد المدمر في نهاية المطاف لكوفيد.
في الغرب، فإن أخطر الأشخاص غريبي الأطوار المهووسين بكوفيد أحرار بشكل نسبي في نشر معلوماتهم الخاطئة عن الفيروس عبر شبكة الإنترنت، لكن وبشكل منطقي، يخضع العلماء وسلطات الصحة العامة والمديرون التنفيذيون لشركات الأدوية والحكومات للمساءلة من قبل وسائل الإعلام والنواب المنتخبين.
تتم معاينة قرارات السياسات بدقة، ويجري كشف الأخطاء وتصحيحها. من الواضح، أن عدداً قليلاً من هذه الإجراءات ينفذ في الصين، حيث ينظر، في الأقل من قبل الحزب الشيوعي الصيني، إلى قدرة الدولة على فرض إرادتها على شعبها، كمصدر قوة في سياق تنافسها مع الغرب الديمقراطي المحلول وغير المنضبط.
لقد أظهر كوفيد مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالبلاد ليس فقط بسبب فيروس كورونا بل أيضاً نتيجة للحكم الديكتاتوري.
اندبندت عربي