يبدو أن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي هيمن على السياسة العراقية لمدة عقدين، في حال عزلة حالياً بعد أن شجع انسحابه من السياسة الرسمية منافسيه المدعومين من إيران وأثار احتمال تفجر صراعات جديدة بين الفصائل.
وقد تتاح لإيران التي تسيطر بالفعل على عشرات الفصائل الشيعية المدججة بالسلاح في جارتها المنتجة للنفط، فرصة الآن لتوسيع نفوذها على الحكومة العراقية، وهو أسوأ سيناريو بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها.
وعلى رغم فوز الصدر بغالبية برلمانية في انتخابات 2021، فقد اختار الانسحاب من الحياة السياسية في أغسطس (آب) بعد إخفاق محاولته التي استمرت عاماً لتشكيل حكومة من دون مشاركة منافسين مقربين من إيران.
وربما يؤدي قرار الصدر بالفعل إلى نفور بعض الأتباع الذين ساعدوا في دفعه إلى مركز السياسة العراقية في أعقاب الفوضى التي تلت الغزو الأميركي للعراق عام 2003 الذي أطاح صدام حسين.
وقال الناشط السياسي الصدري علي العقابي “بعض المؤيدين الذين يساندون السيد مقتدى بدأوا بالتذمر من أن الانسحاب من السياسة والبرلمان سيترك المجال مفتوحاً أمام الأحزاب الفاسدة للسيطرة على الحكومة”. وأضاف لرويترز “للأسف هذا ما يحصل الآن”.
وقال أربعة مسؤولين أمنيين إن رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني أعاد تنظيم عدد من المناصب الأمنية العليا وأعطاها إلى مسؤولين مقربين من الأحزاب المدعومة من إيران بما في ذلك منصب مدير الاستخبارات العسكرية، وهو منصب شديد الأهمية، وكان يشغله سابقاً مسؤول أكثر موالاة للغرب.
لكن خمسة نواب شيعة واثنين من كبار المسؤولين الصدريين قالوا إن السوداني رفض سراً دعوات معارضي الصدر إلى إقالة مسؤولين حكوميين مؤيدين للصدر خشية أن يعيد ذلك العراق إلى دوامة العنف.
وأكد هذه الرواية أربعة نواب شيعة حضروا اجتماعات بين السوداني وسياسيين شيعة يومي 20 أكتوبر (تشرين الأول) و11 ديسمبر (كانون الأول).
تخطيط للعودة
نزل أتباع الصدر إلى الشوارع بعدما انسحب من السياسة وانزلقت البلاد لفترة وجيزة نحو صراع أهلي بين الفصائل الشيعية إلى أن تم وقف الاحتجاجات.
وقال مسؤول حكومي شيعي يحضر الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء “السوداني يكافح بصعوبة من أجل عدم إيقاظ التنين”.
ولم يرد مكتب السوداني على طلب للتعليق في شأن التعيينات أو رفضه التحرك ضد المسؤولين الذين ينظر إليهم على أنهم على صلة بالصدر.
وانسحب الصدر من السياسة من قبل ثم عاد لها مجدداً. ولم يظهر علانية بالصورة التي كانت تثير حماسة أنصاره وتقلق منافسيه. ويتوقع بعض المقربين منه أن يكون هذا الانسحاب موقتاً. وقال أحدهم، “حالما تلوح الانتخابات النيابية الجديدة في الأفق سيشترك الصدر بقوة”.
ولم يتسن الحصول على تعليق من الصدر الذي أغلق عدداً من مكاتبه منذ انسحابه من السياسة.
وذكر ممثل للصدر في مدينة كربلاء “السيد الصدر يراقب جميع التطورات السياسية وكذلك أداء حكومة السوداني ويعتقد بأنها لن تستمر فترة طويلة”.
وخلص استطلاع للرأي أجراه مركز بحوث “تشاتام هاوس” ومقره بريطانيا عام 2022 إلى أن أنصار الصدر أكثر إقبالاً على التصويت في الانتخابات مقارنة بالجماعات الأخرى.
لكن إلى جانب فقدان بعض الدعم في الشارع، ربما تكون قبضة الصدر ضعفت الآن بسبب إحجامه عن إظهار مزيد من النهج العملي بتشكيل حكومة مع أولئك الذين تدعمهم طهران التي يعتبرها بعضهم حليفاً في القتال ضد تنظيم “داعش”.
وقال المحلل السياسي المقيم في بغداد جاسم البهادلي إن “فشل الصدر في تشكيل الحكومة وكذلك انهيار تحالفه بوجه الضغوط المضادة من إيران وحلفائها في العراق أثرا في موقفه السياسي وأجبراه مع تياره على الجلوس في الصفوف الخلفية”.
ويعتبر رجال دين مؤيدون للصدر ومشرعون سابقون ومحللون سياسيون أن ليس له دور سياسي محدد بوضوح للمرة الأولى منذ 2005، مما جعله في أضعف حالاته منذ دخوله السياسة العراقية.
تحت ضغط
أغضب آية الله كاظم الحائري، وهو رجل دين في إيران اختاره والد الصدر مستشاراً روحياً، أنصار الصدر بقوله في أغسطس إن مقتدى الصدر أثار الفرقة بين الشيعة.
وأعرب مسؤولون في التيار الصدري ورجال دين شيعة مؤيدون للصدر ومصادر دينية في مدينة النجف العراقية المقدسة عند الشيعة لـ”رويترز” عن اعتقادهم بأن طهران كانت وراء هذا التصريح.
وطالب الحائري أتباع الصدر بالسعي إلى الحصول على التوجيه والإرشاد في الأمور الدينية مستقبلاً من آية الله علي خامنئي، الزعيم الأعلى لإيران.
وأشار الصدر نفسه إلى أن الحائري تحدث تحت ضغط، من دون أن يلقي باللوم على أحد بالاسم، وكتب على “تويتر”، “لم يكن بمحض إرادته”.
وقال مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إن الحائري “أعطى دفعة للجهود الإيرانية لتعزيز سلطات حلفائها في الساحة السياسية العراقية”.
ورداً على طلب من “رويترز” للتعليق، صرح ممثل عن الحائري بأن رجل الدين لا يعلق على السياسة.
وما زال كثير من العراقيين الشيعة ينظرون إلى الصدر على أنه نصير المضطهدين، فقد ورث كثيراً من الشرعية المبكرة عن والده، رجل الدين البارز الذي اغتاله عملاء صدام حسين قبل أن يبني قاعدة قوته الخاصة ويقود مئات الآلاف من أتباعه في احتجاجات على كل شيء من الفساد إلى التضخم.
واتهمت جماعات حقوقية موالين للصدر بخطف وقتل مواطنين من السنة في ذروة الحرب الأهلية في العراق، فيما يقول الصدر إن عناصره كانوا يطاردون المتمردين السنة وليس المدنيين.
اندبندت عربي