النفط بعيد عن الدولار قريب من اليوان كما لم يحدث من قبل

النفط بعيد عن الدولار قريب من اليوان كما لم يحدث من قبل

يراقب المحللون الاقتصاديون تحركات الصين التي تبدو أنها تسير بخطى ثابتة ودون سرعة أو ضجيج نحو فك استحواذ الدولار الأميركي على سوق الطاقة، وخاصة أسواق النفط، حيث صار من المتوقع أن يصبح اليوان عملة ثانية تفرضها بكين على الأسواق، ومنها الدول الخليجية التي تبدي شراكات وتعاونا كبيرا مع المارد الصيني.

واشنطن – ظل النظام المالي العالمي قائما على البترودولار خلال الأربعين عاما الماضية، وعزز مكانة الولايات المتحدة كقوة مالية عظمى، لكنها توشك الآن على فقدان تلك القوة بتحرر سوق الطاقة من سطوة الدولار والاتجاه نحو البيع أيضا بالعملة الصينية، اليوان.

يتواصل عزل الدولار عن صناعة النفط العالمية ببطء وثبات. ولا تحدث أشياء من هذا النوع بسرعة، بل بإصرار وبشكل تدريجي، ولا تتناسب تماما مع عناوين وسائل الإعلام الحالية التي تأخذ في الاعتبار التطورات الفورية فقط. لكن هذا يحدث ولن ينقلب المد على أساس التطورات الجيوسياسية الحالية والقريبة ومتوسطة المدى.

وفي هذا الإطار، حذر المحلل الإستراتيجي زولتان بوزار من مجموعة كريديت سويس العملاء مؤخرا من أن إلغاء الدولرة في صناعة النفط العالمية، يستمر حتى لو لم نتمكن من رؤية النتيجة النهائية خلال هذه المرحلة.

ويرى المحلل الاقتصادي الأميركي أليكس كيماني أن الأمر كله يتعلق بالصين.

حدد زولتان بوزار حسابات أوبك. ووجد أن حوالي 40 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة التابعة لأعضاء أوبك+ مملوكة لروسيا وإيران وفنزويلا. وجميعها تبيع للصين بتخفيضات كبيرة ضمن خطة بكين لإلغاء الدولرة البترولية.

وتمثل دول مجلس التعاون الخليجي، وأبرزها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، 40 في المئة أخرى من احتياطيات النفط المؤكدة، وهي تتقرب بشكل متزايد من الصين.

كما يمكن للصين الوصول إلى نسبة العشرين في المئة المتبقية. وتعدّ البلاد بالفعل أكبر مستورد للخام في العالم. ويعني ذلك كله أن عملية فك الدولرة تسير على إيقاع ثابت.

لكن اليوان يمثل من حيث التجارة العالمية حوالي 2.7 في المئة من العمليات، بينما يمثل الدولار 41 في المئة. ودفعت هذه النسب اتجاه الإشارة إلى أن هذا ليس تهديدا وشيكا على الدولار. لكن هذا التصوّر غير صحيح، حيث تستغرق التهديدات الكبرى وقتا طويلا لتتطور. وستكتسب الوتيرة زخما من الآن فصاعدا.

كما أن الصين أصبحت الشريك التجاري رقم واحد للكثير من بلدان العالم. وتفيد توقعات محللين ومراكز دراسات بأن حجم الناتج المحلي الإجمالي الصيني سوف يصبح هو الأكبر في العالم بحلول عام 2030. وهذا سوف يخلق المقدمات الضرورية لتحول العملة الصينية إلى عملة عالمية تفرض على الأسواق شراء السلع باليوان، ومنها سوق النفط.

وأفاد موقع أويل برايس في وقت سابق من ديسمبر، بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ تعهد بتكثيف الجهود لتعزيز استخدام اليوان في صفقات الطاقة، مقترحا في القمة العربية – الصينية التي عُقدت في العاصمة السعودية أن على الصين ودول الخليج الاستفادة الكاملة من بورصة شنغهاي للبترول والغاز كمنصة لتسوية تجارة النفط والغاز باليوان.

ويقول كيماني في مقال له بموقع أويل برايس الأميركي “يجب اعتبار العام الذي غادرناه سنة ترسخ البترويوان”، حيث تسير الصين في طريق شراء النفط والغاز بشكل متزايد من الأماكن الصديقة لهذا الاتجاه. ولم تكن حرب روسيا على أوكرانيا والرد الغربي على العقوبات إلا حافزا إضافيا.

وفي مذكرة إلى العملاء نقلتها صحيفة “ذا آيريش تايمز” الإيرلندية، قال بوزار إن “الصين تريد إعادة كتابة قواعد سوق الطاقة العالمية”، وستفعل ذلك عن طريق إزالة الدولار أولا من فلك دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين) التي تأثرت بـ”تسليح” احتياطيات النقد الأجنبي بالدولار، بهدف معاقبة روسيا ومنع بوتين من ملء خزائنه في زمن الحرب.

وخلق ما حدث هنا فرصة هائلة لبكين التي أخبرت دول الخليج الآن أنها مشتر مضمون تماما للنفط والغاز باليوان، مع وعد شي “باستيراد النفط الخام و’الغاز الطبيعي’ بطريقة متسقة وبكميات كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي”.

كانت رحلة الرئيس الصيني إلى السعودية في أوائل ديسمبر بالتحديد حول اليوان. وكانت هذه هي اللحظة الحاسمة للبترويوان، حيث كانت دعوة لقيت استحسانا. ووقّعت الصين والسعودية صفقات تجارية بأكثر من 30 مليار دولار خلال الزيارة، بما سيساعد في تعزيز خطة البترويوان.

يأتي أكثر من 25 في المئة من واردات الصين من النفط الخام من السعودية، ويبدو من المؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي ستتبنى البترويوان تدريجيا، حتى مع وجود الكثير من الحواجز على طول الطريق بسبب التمويل الغربي.

لكن كيماني يرى أن ما تعتمد عليه العقول الغربية (بالمعنى الحرفي للكلمة) هو حقيقة أن للصين وحدها تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية. ويرى الكثيرون أن السعوديين مرتبطون بالنظام المالي الغربي والبترودولار. لكن فك ارتباط الريال بالدولار، على الرغم من كون مناقشته بهدوء شديد (من منظور بحثي بحت)، يستطيع خلق صدمة دراماتيكية للمملكة لن يكون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الأرجح على استعداد للمخاطرة بها لوقت طويل. لكنه سيناقش بنشاط صفقات النفط مع الصين باليوان.

وكانت تقارير أفادت بأن المملكة العربية السعودية تجري محادثات نشطة مع بكين قد تؤدي إلى تسعير بعض مبيعات المملكة النفطية إلى الصين باليوان، وهي خطوة قد لا تشل فقط هيمنة البترودولار على سوق البترول العالمية، بل ربما ستمثل تحولا آخر من قبل أكبر مصدر للنفط الخام في العالم نحو آسيا. ولكنّها أيضا خطوة تهدف بشكل مباشر إلى قلب النظام المالي الأميركي، وتدفع أكثر نحو عالم متعدد الأقطاب.

ويتداول السعوديون النفط بالدولار حصريا منذ عام 1974، حين أبرموا صفقة مع إدارة ريتشارد نيكسون، وكذلك بقية الدول المنتجة للنفط.

وتشتري الصين أكثر من ربع صادرات النفط السعودية، وإذا تم تسعير هذه المشتريات باليوان، فإنها ستعزز مكانة العملة الصينية وتدفعها لتصبح عملة احتياطي بترويوان عالمي.

قد يكون التحول إلى نظام البترويوان تحولا عميقا بالنسبة للسعودية لتسعير حتى بعض صادراتها من النفط الخام، التي تبلغ حوالي 6.2 مليون برميل يوميا، بأي شيء آخر غير الدولار، لأن الغالبية العظمى من مبيعات النفط العالمية التي تبلغ حوالي 80 في المئة تتم بالدولار.

ويبقى الجانب الصيني أكثر صبرا مما يمكن لأي عقل غربي أن يفهمه، حيث يتعلق الأمر بالتخلص ببطء من عرش الدولار في أسواق النفط والسلع، وكعملة احتياطية مفضلة. هذا ما يدور حوله بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.

وتواصل بكين تقديم أهدافها البترولية مع كل اضطراب جيوسياسي على مستوى روسيا وأوكرانيا، ومع كل تشديد للعقوبات من الغرب.

ويؤكد كيماني قائلا “لن يكون هناك أي إعلان. لن تكون هناك أي ضوضاء عالية. سيحدث الأمر تدريجيا. إنه يتواصل ببطء شديد. وسيكافح الغرب لإيجاد موطئ قدم له عندما يظهر نظام طاقة عالمي جديد في المستقبل على المدى الطويل”.

العرب