انعطافة في العلاقات التركية السورية.. ولكن بأي ثمن؟

انعطافة في العلاقات التركية السورية.. ولكن بأي ثمن؟

وصف مسؤول تركي الاجتماع الذي عقد في 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي بين وزيري دفاع كل من سورية وتركيا بأنه “إيجابي”.

وكان في ذلك تأكيد على مضمون البيان الذي صدر عن وزارة الدفاع السورية بعد الاجتماع الذي حضره أيضا وزير الدفاع الروسي، ورئيسا المخابرات السورية والتركية اللذان كانا قد عقدا لقاءات متكررة في الأشهر القليلة الماضية.
* * *
أنقرة – يمثل اللقاء الثلاثي الذي رعته موسكو وجمع وزيري الدفاع التركي والسوري في أول لقاء رفيع المستوى بحضور نظيريهما الروسي، منعطفا مهما في العلاقات بين دمشق وأنقرة، ويسلط الأضواء على تقارب ممكن بين البلدين بعد سنوات من القطيعة والعداء الشديد.

لكن هذا التقارب في حدّ ذاته يثير الكثير من الأسئلة الملحة حول مصير المعارضة السورية المسلحة والسياسية التي تدعمها تركيا، وتحتضن قادتها وتوفر لهم غطاء ماليا وعسكريا، إلى جانب ملايين السوريين -سواء المتواجديد على أراضيها أو على حدودها، من الفارين من النظام السوري الذين تنطوي عودتهم على كثير من المخاطر.

وسيكون شأن التقارب بين الجانبين الذي يجري بتشجيع من روسيا، أقوى حلفاء الأسد، أن يعيد تشكيل المشهد في الصراع السوري.

يُعتقد أن تركيا تراهن على التوصل إلى تسوية مع النظام السوري والتي تشمل هذه القضايا، كما تشمل الوجود العسكري التركي في شمال سورية.

وسوف تكون تسوية هذه الشؤون شديدة التعقيد، وسيكون المسار إليها طويلا. لكنّ أنقرة قد تضحي في الوقت نفسه بالفصائل الموالية لها في شمال سورية.

وقد يكون قادة المعارضة ورقة مساومة تستخدمهم لتأمين مصالحها مع دمشق وموسكو.

سبق وأن طُرح هذا السيناريو حين أطلقت أنقرة إشارات ايجابية باتجاه إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، حتى أن المئات من سكان المناطق الخاضعة للمعارضة السورية والفصائل المسلحة تظاهروا للتنديد بما اعتبروه “طعنة في الظهر” من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقد تجاهلت تركيا ردود الفعل الغاضبة، ولم تسع إلى تهدئة مخاوف الفصائل الموالية لها، واستمرت تدريجيا في الحديث عن مصالحة قادمة مع دمشق -بل وحتى عقد لقاء بين الرئيسين التركي والسوري.

كان الاجتماع الذي عُقد يوم الأربعاء، 28 كانون الأول (ديسمبر)، هو الأرفع مستوى بين الجانبين منذ بدء الحرب السورية قبل أكثر من عقد.

وقد لعبت تركيا دورا كبيرا في الصراع من خلال دعم معارضين للرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى توغل قواتها في الشمال السوري.

ووصف المسؤول التركي الاجتماع بأنه “إيجابي”.

وكان في ذلك تأكيد لمضمون بيان صدر عن وزارة الدفاع السورية بعد الاجتماع الذي حضره أيضا وزير الدفاع الروسي ورئيسا المخابرات السورية والتركية، اللذان عقدا لقاءات متكررة في الأشهر القليلة الماضية.

وقال المسؤول التركي لوكالة “رويترز” بعد أن طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مصرح له بالتحدث علنا عن الأمر: “تمت مناقشة كيفية تحرك الجانب التركي بشكل مشترك ضد المنظمات الإرهابية، مثل ’وحدات حماية الشعب‘ السورية الكردية، وتنظيم ’داعش‘ من أجل ضمان وحدة الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب”، مضيفا: “تم التأكيد على أن أولوية تركيا هي أمن الحدود”.

وقال بدران جيا كرد، وهو مسؤول بارز في الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في الشمال السوري، إنه يتوقع أن تسفر الاجتماعات عن مرحلة جديدة من الاتفاقات والخطط، لكنه وصفها بأنها ستكون معادية لمصالح السوريين.

وأضاف أنه يخشى أن يوجه ذلك ضربة إلى المكاسب التي حققها الأكراد في شمال وشرق سورية.

ونفذت تركيا ثلاث عمليات توغل في الشمال السوري كانت تستهدف بالأساس “وحدات حماية الشعب الكردية” السورية التي أسست لحكم ذاتي في أغلب الشمال السوري مع بداية الحرب في العام 2011.

تعتبر تركيا هذه “الوحدات” تهديدا لأمنها القومي بسبب ما تقول إنها صلات بين الوحدات و”حزب العمال الكردستاني” المحظور.

وقد هددت بتنفيذ توغل جديد بعد هجوم بقنبلة أسقط قتلى في إسطنبول في شهر تشرين الثاني (نوفمبر). لكن روسيا والولايات المتحدة اعترضتا على ذلك، حيث اشتركت كل منهما مع “قوات سورية الديمقراطية” التي يقودها الأكراد في محاربة تنظيم “داعش”.

وعلى الرغم من وقوع اشتباكات عرضية، ظلت “وحدات حماية الشعب” ودمشق في منأى عن بعضهما البعض خلال الحرب، كما أن لهما أعداء مشتركين من ضمنهم جماعات مدعومة من تركيا.

لكنّ دمشق تعارض مطالب الحكم الذاتي الكردية. ولم تسفر المحادثات الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية عن تحقيق تقدم.

لم يكن التقارب التركي السوري واردا في وقت سابق من الصراع الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف واجتذب العديد من القوى الأجنبية ومزق سورية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وصف الأسد من قبل بأنه إرهابي، وقال أن السلام لا يمكن أن يتحقق في سورية في وجوده، بينما وصف الأسد أردوغان بأنه لص سرق أراض سورية.

ونقلت صحيفة “الوطن” الموالية للحكومة السورية عن مصادر قولها أن اجتماع وزيري الدفاع لم يكن ليعقد لو أن الأمور لم تكن تسير في طريق مقبول ووفقا لما تريده دمشق خلال الاجتماعات السابقة.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء نقلا عن مراسلها أن الجانبين ناقشا “جهود محاربة الإرهاب والأوضاع في سورية ومسألة اللاجئين” خلال الاجتماع، مضيفة أن الوزراء الثلاثة أكدوا على “ضرورة وأهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سورية والمنطقة”.

وقال المسؤول التركي أيضا أن الاجتماع أكد على أن “الهجرة من سورية إلى تركيا لم تعد أمرا مرحبا به”.

وتستضيف تركيا الآن نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري على الأقل، في أكبر تعداد للاجئين في العالم.

وأصبح الشعور العام في تركيا مناهضا للاجئين إلى حد ما مع تصاعد المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها تركيا.

وقال حسين بادجي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة: “الهدف الأول سيكون بناء الثقة. سوف يبحث الجانبان عن تحقيق مكاسب”، ووصف الاجتماع بأنه “خطوة مهمة في اتجاه التطبيع”.

أحوال تركية