خلال الأيام الماضية أشارت معظم المعطيات التي طرأت على خط العلاقة المستجدة بين أنقرة ودمشق إلى أن هذا المسار تُقطع محطاته المرسومة بآلية ثلاثية تتولاها روسيا، فيما لم يُعرف بالتحديد الدور الخاص بإيران، وما إذا كان غيابها عمّا يحصل يشي باستبعاد أم بحضور تبتعد تفاصيله عن الطاولة.
وعلى الرغم من أن إيران بالفعل ليست طرفا مباشرا في مسار الحوار الثلاثي، إلا أن لها مصالح ووجودا وتأثيرا سياسيا على دمشق. وهذا التأثير لا يمكن تجاهله في مسار العلاقات المحتملة بين أنقرة ودمشق.
وتشير تقارير إلى أن التيار المتشدد المحسوب على الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والحكومة متريث في الحكم على لقاء موسكو، في حين لم يخف التيار الإصلاحي خشيته من دور التقارب في تقليل نفوذ إيران في سوريا.
ويدعو التقارب التركي – السوري الأخير والاجتماعات في موسكو وغياب طهران عنها إلى التساؤل حول نظرة إيران إلى هذا التقارب، وما مصالحها في عودة العلاقات بين الطرفين ومدى تأثيرها على التواجد الإيراني في سوريا.
تقارير تشير إلى عدم وجود رضا إيراني عن المفاوضات بين تركيا وسوريا في غياب طهران عنها، وهو ما تسبب في انقسامات
وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في تصريحات صحافية إن “إيران دائما تعتقد أن الحل في سوريا حل سياسي، وأن روسيا وسوريا وتركيا على علم بدور إيران الحاسم في مكافحة الإرهاب في سوريا، ودعمها لشعب وحكومة هذا البلد”، مضيفا أن هذه الدول تدرك أهمية هذا الدور في استكمال العملية السياسية السورية، دون أن يقدم أي تفاصيل عن الآلية الثلاثية التي بدأتها تركيا والنظام السوري وقطعتا مرحلتين منها بالاجتماع استخباراتيا، ومن ثم على مستوى وزارتي الدفاع.
وتشير تقارير إعلامية إلى عدم وجود رضا إيراني بشكل ضمني عن هذه المفاوضات في غياب طهران عنها، وهو ما تسبب في انقسامات داخل التيارات السياسية الإيرانية.
ويقول الباحث في الشؤون الإيرانية هاني سليمان إن إيران تنظر بنوع من الترقب والشك إلى تطور العلاقات التركية – السورية، حيث ترى طهران أن ذلك ربما يشكل مساسا بمساحة نفوذ إيران وتواجدها في الداخل السوري، خاصة أن التواجد الإيراني في سوريا بُني على إستراتيجية الخوف والحرب والمواجهة والصِدام، وبالتالي وجود قنوات تقارب تركي – سوري من شأنه أن يقلل من ماهية الأزمة التي تتذرع بها إيران في سوريا، خاصة بعد تراجع المواجهات وحسم المعركة إلى حد ما لصالح حكومة دمشق.
وعلى الرغم من أن هذا التقارب من الممكن أن يمس بالنفوذ الإيراني، وخاصة إحداث خلل في ميزان القوى للتواجد الإيراني داخل سوريا، لكن في النهاية فإن تأثير التقارب على التواجد الإيراني سيكون هشا، خاصة أن إيران أحد أهم العوامل والدعائم الرئيسية التي ثبّتت حكومة دمشق وبالتالي فليس من السهل المساس بالنفوذ الإيراني بشكل كبير.
وفي المقابل تشير تقارير إلى أن إيران لن تعطل أي انفتاح على حكومة دمشق، وخاصة من تركيا، التي تُعد اليوم آخر الدول الداعمة للمعارضة السورية، إضافة إلى أن طهران تُبدي مرونة كبيرة في هذا السياق، لأنها تعلم أن نفوذها في سوريا بات أكبر من أي وقت مضى، وخاصة في الشق الاقتصادي.
ويرى مراقبون أنه من حيث الشكل، فإن التفاعلات الأخيرة بين موسكو ودمشق وأنقرة تعني استبعاد إيران وتهميشها، ولكن من حيث المحتوى والنتيجة المحتملة، فهي تتماشى أيضا مع مصالح طهران.
وهناك إشكالية رئيسية تتمثل في أن تركيا وإيران دولتان أيديولوجيتان لدى كل منهما مشروعها الخاص في سوريا، سواء المشروع الإيراني الفارسي أو المشروع التركي العثماني، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خلافات ولكنها محدودة.
وتعتبر إيران وتركيا وروسيا دولا ضامنة لمسار “أستانة السوري”، ومنذ عام 2017 تجمع أطرافا من المعارضة السورية والحكومة باستمرار من أجل بحث قضايا ميدانية وسياسية في آن واحد.
وخلال الأشهر الماضية بدا تركيز هذا الثلاثي على أهداف متقاطعة تتعلق بالوجود الأميركي في شمال وشرق سوريا، وضرورة إخراجه من المنطقة، مع ضرب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، والمتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وعلى الرغم من أن أنقرة وموسكو وطهران تلتقي في القاسم المشترك المذكور، إلا أنها نادرا ما نسّقت سويا بخصوص مسارات أخرى، إذ تختلف طبيعة التواصل الروسي – التركي على نحو أكبر من التواصل التركي – الإيراني.
لكن بالنظر إلى أن العلاقات التركية – الروسية قوية جدا، وتنامت بشكل كبير بعد حرب أوكرانيا، كان من الطبيعي أن تلعب موسكو دور الوساطة بين أنقرة ودمشق، وهو ما لم تنجح فيه طهران عندما عرضت في وقت سابق أن تكون وسيطا بين أنقرة ودمشق.
وبالنسبة إلى إيران فمن المهم لها أن ينجح هذا التقارب على الرغم من بعض التخوفات القائمة لديها منه، فهي سوف تسعى لأن تكون هذه المصالحة خطوة أولى نحو إخراج القوات الأميركية من الشمال السوري، بتنسيق الأطراف المنضوية تحت عباءة “أستانة” بالإضافة إلى سوريا.
وأيضا فإن إيران ترى أن كل تواجد أجنبي على الأراضي السورية خارج دعوة الحكومة السورية غير شرعي، ولذلك فإن المصالحة التركية – السورية سوف تعيد المناطق السورية التي تقع تحت سيطرة تركيا إلى سوريا.
ويجادل محللون أن عودة العلاقات التركية – السورية ستشكل تقليلا من مركزية وأهمية دور إيران في سوريا، ومدى الحاجة من قبل حكومة دمشق إلى الوجود الإيراني في هذه المرحلة، ولكن على الرغم من ذلك ستكون هناك مساحات لتقاسم النفوذ وقد يكون عليها بعض الصدام المؤقت، وبالتالي فإن العنوان العريض للتقارب التركي – السوري وعلاقته بإيران “بعض المكاسب لإيران والكثير من المخاوف والأسئلة والتحفظات”.
العرب