كرر رئيس الوزراء التركي الأسبق، رئيس حزب “المستقبل” أحمد داود أوغلو، إطلاق تصريحات جدلية في الأيام الأخيرة، تتعلق بالطاولة السداسية لأحزاب المعارضة، وهو جزء منها، وتأكيده أن زعماء الأحزاب السياسية المعارضة هم من سيمتلكون صلاحية اتخاذ القرارات بدلاً من الرئيس المنتخب منهم، في حال فوز المعارضة بالانتخابات المقبلة التي لم يحسم بعد ما إذا كانت الحكومة ستبقي عليها في موعدها في يونيو/حزيران المقبل أو تقدمها.
وتضم الطاولة السداسية كلا من زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كلجدار أوغلو، وزعيمة حزب “الجيد” ميرال أكشنر، ورئيس حزب “السعادة” تمل قره موللا أوغلو، ورئيس حزب “دواء” علي باباجان، ورئيس الحزب “الديمقراطي” غولتكين أويصال، وداود أوغلو.
تصريحات داود أوغلو والمعارضة التركية
ولم تلق تصريحات داود أوغلو التي أطلقها في المرة الأولى، الجمعة الماضي عبر قناة “خلق تي في” ارتياحاً في أوساط المعارضة، تحديداً لدى “الشعب الجمهوري” و”الجيد” أكبر أحزاب الطاولة السداسية والممثلان في البرلمان.
وقال القيادي، النائب السابق في “الشعب الجمهوري” باريش ياركاداش، في تغريدة على حسابه في “تويتر”: “هذا الوضع لا يناسب أساسيات القواعد الديمقراطية ولا العدالة في التمثيل، داود أوغلو يريد حكم تركيا بنسبة أصوات 0.3 في المائة فقط، ويحاول إقناعنا بوجهة نظره وأكثر ما يضر الطاولة السداسية من هم بداخلها”.
كما نفى المتحدث باسم “الجيد” كورشاد زورلو، في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء الماضي، أن يكون زعماء الأحزاب قد ناقشوا ما تناوله داود أوغلو، قائلاً: “لم يتم تقييم ما تحدث به داود أوغلو، الرئيس المقبل سيتناول مشاكل تركيا الجذرية والحلول لها وفق خريطة الطريق والبرنامج الحكومي الذي سيعلن عنه في 30 يناير/كانون الثاني الحالي، والحزب الجيد يدافع عن هذا الطرح ولا يدعم أي طروحات أخرى”.
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه تصحيح مسار التصريحات، أطل داود أوغلو مجدداً مساء أول من أمس الأربعاء، في برنامج حواري كشف فيه أن “عدم موافقة الرئيس المنتخب على تنفيذ مطالب زعماء الأحزاب الستة، سيؤدي إلى حصول أزمة في البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة”.
من المتوقع أن تعلن المعارضة عن برنامجها في 30 يناير
وجاء كلام داود أوغلو في سياق حديثه عن خريطة طريق المرحلة الانتقالية والبرنامج الحكومي، اللذين توافقت عليهما الطاولة السداسية باجتماعها الأخير في 5 يناير الحالي. وتهدف هذه المرحلة لإدارة البلاد قبيل العمل على إقرار تعديلات دستورية والانتقال إلى النظام البرلماني المعزز.
وفي حال فشل المعارضة في الانتقال للنظام الجديد، يتم الاستمرار بالنظام الحالي، مع التمسك بفكرة النواب الستة لرئيس الجمهورية. ومن المنتظر الكشف عن التفاصيل في 30 يناير الحالي.
وقال داود أوغلو في أحدث تصريحاته، خلال لقاء على قناة “خبر تورك”: “إذا لم يقبل الرئيس المنتخب قرارات زعماء الأحزاب عندها تظهر أزمة، ويفقد تأييد البرلمان، والبلاد تذهب إلى الانتخابات المبكرة”.
وكشف أن “زعماء الأحزاب سيكون لهم صلاحيات (حسب خريطة طريق الانتقال السياسي) تماثل صلاحيات الرئيس، وسيكون زعماء الأحزاب بنفس الوقت نواباً للرئيس، وأنه في حال قيل للرئيس إن حزبك لديه أصوات قليلة وأنا من اتخذ القرار، عندها تنشأ أزمة، فكل من يتصرف بشكل مخالف للاتفاق على المرحلة الانتقالية، سيدفع ثمن تلك الأزمة أمام الشعب”.
وفيما يخص مواصفات الرئيس المقبل، أفاد داود أوغلو بأن “يجب ألا يكون له طموح شخصي، ويفكر بمستقبله السياسي، يمكن أن يحاكمنا (يسائل زعماء الأحزاب) مرات، ويمكن أن نحاكم مع بعضنا البعض، ومن هناك (بالحكم) لديه الحق بالكلمة، ننتخب رئيساً على دراية ولن نتركه وحيداً”.
وتركزت الانتقادات في وسائل الإعلام على تصريحات داود أوغلو حول كيفية تمكن من لديه نسبة منخفضة من الأصوات، أن يحكم بشكل مماثل مع من يمتلك أصواتاً أكثر، أي أن “المستقبل”، حسب استطلاعات الرأي، لا تتجاوز نسبة أصواته في الوقت الحالي 1 في المائة، فيما “الشعب الجمهوري” المعارض يملك نحو 24 في المائة من الأصوات.
النائب في “الجيد”، أيهان إريل، انتقد في تصريحات على قناة “تي في 100″، كلام داود أوغلو، موضحاً أنه “لم يكن لدينا في الطاولة السداسية حتى الآن مطالب من هذا القبيل من طرف داود أوغلو، فعلى ماذا يستند في معلوماته؟”.
وأضاف: “داود أوغلو قال ما يجول في خاطره فقط، الحزب الجيد لا يعبر عما يجول بخاطره من انزعاج في الطاولة السداسية على ما يطرح على سبيل المثال، ويفضل الصمت عبر التحرك بروح الطاولة السداسية”. بدوره، وجّه الكاتب المعارض فاتح ألطايلي أيضاً انتقادات شديدة لداود أوغلو، ووصفه بمقاله على “خبر تورك”، بأنه “يقفز بمنتصف الطاولة السداسية محاولاً كسرها”.
أردوغان ينتقد الطاولة السداسية
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد انتقد السبت الماضي، وبعد تصريحات أدلى داود أوغلو مساء الجمعة لقناة “خلق تي في” مماثلة للتي أدلى بها لقناة “خبر تورك”، زعماء الأحزاب المعارضة المشكلة للطاولة السداسية، بسبب اتفاقهم على إدارة مشتركة للبلاد خلف رئيس الجمهورية، الذي سيرشحونه حال فوزهم بالانتخابات وتوليهم السلطة، بناء على تصريحات داود أوغلو السابقة.
وقال أردوغان في كلمة: “تبقى أشهر قليلة للانتخابات ولم يظهر أمامي أي مرشح منافس، والقرار الذي صدر من الطاولة السداسية هو إدارة البلاد من قبل 6 أشخاص، 6 قباطنة يغرقون السفينة، السفينة تسير بقبطان واحد، وسائقان بنفس الوقت يؤديان إلى حادث سيارة”.
فراس رضوان أوغلو: الاختلاف بين الأحزاب المعارضة واضح
الكاتب فراس رضوان أوغلو شرح لـ”العربي الجديد”، الفكرة التي تناولها داود أوغلو بقوله إن “هناك اختلافا واضحا بين الأحزاب في الطاولة السداسية كلها، سواء من الناحية السياسية أو من ناحية المبادئ والأفكار، وهنا يظهر اختلاف الأفكار في ما ذهب إليه زعيم حزب المستقبل”.
وأضاف: “أعتقد أن داود أوغلو يطالب بالتوحد أكثر من أجل التوصل إلى مرشح توافقي ضد أردوغان، وأن يكون زعماء الأحزاب نواباً للرئيس للتشارك فيما بعضهم. ولكن هذا الطرح غير منطقي لأن حزبا كبيرا كحزب الشعب الجمهوري يقارن بحزب صغير كحزب المستقبل، إلا أنه بالنهاية يمكن للأحزاب أن تكبر لاحقاً”.
وشدّد رضوان أوغلو على أن “النقطة الهامة أن كل هؤلاء عندما يكونون نواباً للرئيس فإن داود أوغلو يفكر بعدم منح صلاحيات مطلقة للرئيس المقبل، وبتقليل الصلاحيات الدستورية، وهذا يكون عبر عدة نواب، إذ سبق لداود أوغلو أن اتهم سابقاً أردوغان بالديكتاتورية. الاختلاف بين الأحزاب واضح ويؤثر بشكل عميق في التعامل السياسي فيما بينهم”.
من ناحيته، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إن “طرح داود أوغلو يأتي في إطار حديثه عن التوافق بين الأطراف السياسية على المرحلة الانتقالية للذهاب إلى التعديلات الدستورية والنظام البرلماني، بحسب آخر اجتماع للطاولة السداسية، لكن طرحه بهذه الطريقة يثير حفيظة الناخبين بشكل كبير، الذين يعطون لممثليهم نسبة معلومة من الأصوات، وتأتي أحزاب صغيرة لتشاطر الأحزاب الأكبر في آلية اتخاذ القرارات”.
وأضاف سعيد أوغلو أن “الأزمة أيضاً قد تنشأ في حال عدم تمكن المعارضة من تغيير الدستور والذهاب إلى الاستمرار بالنظام البرلماني، عندها ستبقى في واقع النظام الرئاسي الذي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة، فهل سينتخب الشعب رئيساً صورياً؟ هذه تساؤلات محقة من أنصار الأحزاب ومن الناخبين، ويجب على المعارضة إدارة هذه الأزمة بشفافية ووضوح أكبر، وأعتقد أن التصريحات ستبقى مدوية في الأيام المقبلة وستلقي بظلالها على التطورات السياسية الداخلية”.
العربي الجديد