عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس أركان جيشه، فاليري غيراسيموف، قائدا جديدا لـ«العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، وهو ما يمكن اعتباره تخفيضا غير مباشر لمرتبة سيرغي سوروفيكين، القائد السابق للقوات الجوية الروسية، الذي يحمل أيضا لقب «الجنرال أرماغيدون (يوم القيامة)»، بعد ثلاثة أشهر تقريبا من استلامه منصبه.
يمكن ربط هذه النقلة الأخيرة بالكارثة العسكرية التي حلّت بالجيش الروسي، بعد أن قصفت القوات الأوكرانية مركزا لتجمّع المجندين الروس في بلدة ماكيفكا باستخدام نظام صواريخ هيمارس الأمريكي الصنع، مما أدى، حسب مصادر متقاطعة، إلى مقتل المئات منهم، وقد اعترفت موسكو، في البداية بمقتل 63، ثم عدّلت الرقم إلى 97 قتيلا.
إضافة لذلك، يمثّل التغيير في هرمية القيادة العسكرية الروسية في أوكرانيا رغبة الرئيس بوتين في إحداث تغيير على رقعة الشطرنج الحربية، وهو ما يمكن أن نرى أثره في الصراع الدموي المحتدم شرق البلاد، والذي يشكّل الاستيلاء الروسي على سوليدار القريبة من باخموت، جزءا منه.
أكد الجيش الروسي، أخيرا، الاستيلاء على سوليدار، وتنازع مع مجموعة «فاغنر» (شركة المرتزقة العسكرية الخاصة)، نسبة هذا الإنجاز لنفسه، فيما أكدت كييف أن روسيا قصفت سوليدار 91 مرة بعد إعلان فاغنر السيطرة عليها، وأن المعارك ما تزال مستمرة. حسب «منظمة دراسة الحرب»، وهي مركز أبحاث أمريكي، فإن موسكو قد سيطرت فعلا على سوليدار، لكنها بالغت في أهمية سوليدار، وهي بلدة لا تزيد مساحتها عن 8,8 كيلومتر، وبالتالي فإن ما حصل لا يشكل تطورا مهما على الصعيد العملياتي ومن غير المحتمل أن يؤدي لمحاصرة مدينة باخموت.
السيطرة الروسية على سوليدار، على أي حال، هي نصر «تكتيكي» بهدف أكبر فإدارة بوتين تأمل استثمار الحدث سياسيا في دعم تردد بعض الدول الغربية بمدّ كييف بالأسلحة، كما هو حاصل في ألمانيا حاليا، حيث يواجه تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد معارضة من بعض الجهات الحكومية.
تعيين غيراسيموف، يعني أن القيادة الروسية تخطط لهجمات أكبر، وأن وجود قائد الأركان في أرض المعركة هو اعتراف بسوء التنسيق بين الأجنحة العسكرية المختلفة، كما أنه يعني إدراكا بأن «العملية الخاصة»، التي قتلت ما يقارب 114000 جندي، وتسببت بهزائم محرجة ومؤلمة لروسيا، تتجه لتصبح حربا خاسرة.
إحدى النقلات التي يلمّح الكرملين لاستخدامها على أمل تعديل النتائج، هو إشراك بيلاروسيا، التي تملك حدودا مع أوكرانيا، في الحرب الدائرة، وهو ما أشار إليه بيان لوزارة الخارجية الروسية، أمس الجمعة، بالقول إن المناورات العسكرية المشتركة التي ستبدأ خلال أيام بين البلدين هي لمنع خصوم روسيا المحتملين من «التصعيد والاستفزاز»، وأن أي محاولة للهجوم على بيلاروس «محكومة بالفشل»!
الخطط الأوكرانية والغربية في المقابل، ستركز على الاستفادة من الإنهاك الذي تعرضت له القوات الروسية بسبب تركيزها للموارد العسكرية في دونيتسك والدونباس على معركة باخموت، وكذلك الاستفادة من تراجع القدرات العسكرية لروسيا، ومع وصول إمدادات وآليات عسكرية غربية جديدة فإن معارك الربيع ستحمل إشارات للاتجاه الذي ستسلكه الحرب، وبالتالي، المفاوضات لإنهائها.
القدس العربي