خلال الشهر الماضي مر حدثان ارتبطا بإيران، منتدى طهران للحوار وقمة “بغداد 2” في الأردن، الأول نظمته إيران، والثاني استضافه الأردن، وكانت ملفاته مرتكزة حول ملفات العراق وسوريا ولبنان والنووي الإيراني.
من تحليل البيانات الصادرة عن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان والمنتمي للتيار المتشدد، نجد أنه لم يختلف مضمون تصريحاته عما جاء على لسان وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف والمنتمي للتيار المعتدل طيلة مدة توليه وزارة الخارجية، بما يعكس أنه يتحكم في قادة إيران، بدرجة ما، تصورات ثابتة منذ تأسيس النظام الإيراني الحالي مرتبطة بدور طهران من وجهة نظر النخبة الحاكمة، ومدى مساهمتها في توفير الأمن والاستقرار الإقليمي، أو مساندة الدول الأخرى بالمنطقة، فضلاً عن تصورها لأمن الخليج العربي. وبالنظر إلى الحدثين المشار إليهما فقد عكست تصريحات عبداللهيان محددات السياسة الإيرانية بخصوص تلك القضايا.
فقد جاء تحت عنوان “سياسة الجوار للجمهورية الإسلامية الإيرانية، نهج للصداقة وبناء الثقة”، عقدت إيران منتدى طهران للحوار الثالث، وقد أكد عبداللهيان خلال المنتدى أن إيران جعلت من مفهوم الجوار محوراً أساسياً لسياستها الخارجية، وتفكر بكل قوتها في بناء الثقة وتقوية أسس الصداقة مع جيرانها في المنطقة، وتتخذ خطوات قوية في هذا الاتجاه، واستدرك بأنها تعتبر جيرانها الذين تجمعها معهم قواسم ثقافية وتاريخية ودينية مشتركة، أشقاء، وأنه لطالما كانت إيران إحدى ركائز الاستقرار والأمن في المنطقة والخط الأمامي في محاربة إرهاب تنظيم “داعش” ومختلف أنواع الإرهاب في المنطقة والعالم، كما أكد استعداد بلاده لبناء الثقة مع جيرانها في المنطقة، بما في ذلك جيرانها في الخليج کي يزول الفكر الذي يؤمن بتوفير الأمن من خارج المنطقة.
ما سبق كان جزءاً من تصريح عبداللهيان خلال المنتدى، بينما خلال قمة بغداد الثانية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان، تحدث عن أن “الحوار والتعاون بين دول الإقليم من أجل تحقيق السلام والأمن والتنمية ليس خياراً وإنما هو ضرورة ملحة”، لينتقل نحو تقديم دور إيران في المنطقة بأنها أسهمت في تقديم الأمن والاستقرار عبر مكافحة الإرهاب “قدمنا أطهر دمائنا وأشجع شبابنا للدفاع عن أمن المنطقة، ووقفنا إلى جانب كل من العراق وسوريا”.
هذا التصريح ليس فقط يوضح سوء إدراك إيران تداعيات تدخلها في دول الصراعات في المنطقة مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق، فقد كان التدخل الإيراني ليس سبباً في دعم استقرار تلك الدول بل أسهم في تفكيكها وضعف الولاء لصالح الانتماءات الأولية الطائفية والعرقية. وأضاف “إيران تدعم دائماً العراق الموحد والمستقر، ونعتقد أنه لا يمكن استيراد الأمن أو شراؤه”. أي إنه ما زال يؤكد وجهة نظر إيران في شأن أمن الخليج والرافضة للوجود الأميركي، إذ تريد إيران أن تستأثر بمهمة أمن الخليج لاستعراض القوة وإعادة دور شرطي الخليج الذي مارسته خلال عهد الشاه.
وفي المقام نفسه، أتت تصريحات جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق، إذ أكد أهمية اعتراف الغرب بمكانة إيران كقوة إقليمية ومحورية، وفي دورها بحل الصراعات في الشرق الأوسط. وقال ظريف في مقاله المنشور عام 2014 بمجلة “فورين أفيرز” “لا بد للدول الأخرى من قبول حقيقة دور إيران البارز في الشرق الأوسط وما وراءه”.
بالنظر إلى تصريحات ظريف وعبداللهيان نجد أنها تستهدف بالأساس إيجاد شرعية للسلوك الإيراني انطلاقاً من التعاون الاقتصادي وانفتاح العلاقات بينها وبين دول المنطقة، وحاجة إيران إلى جيرانها للتحرك نحو زيادة التجارة والاستثمار. وفى حديث آخر لجواد ظريف، عبر عن التصور الإيراني لأوضاع المنطقة، وأن التدخل الإيراني بها حتمي لأسباب عملية مرتبطة بتداعيات الأوضاع الإقليمية على إيران. ويقول جواد ظريف “فإن الشؤون العربية هي عمل إيران، نحن نتشارك الحدود والمياه والموارد، واهتمامنا بشؤون منطقتنا ليس خبيثاً، إنه في مصلحة الاستقرار. نحن لا نرغب في سقوط أي أنظمة في البلدان التي تحيط بنا. رغبتنا، من حيث المبدأ والممارسة، هي أن تتمتع كل دول المنطقة بالأمن والسلام والاستقرار”.
إجمالاً، نجد أن تصورات النخبة الإيرانية لدور إيران الإقليمي وعلاقتها بدول الصراعات، وما تستهدفه من علاقتها بدول الخليج العربي، كلها رؤى واحدة لا تختلف باختلاف التيار السياسي الحاكم، كما أن هذه التصورات لم تختلف منذ نشأة النظام الإيراني عام 1979 على رغم تغير السياق الإقليمي والدولي.
اندبندت عربي