ما ثمن التصويت الروسي بنعم على المساعدات السورية؟

ما ثمن التصويت الروسي بنعم على المساعدات السورية؟

إن استعداد موسكو للموافقة على تمديد آخر لقرار الأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا له علاقة بدعم التطبيع بين تركيا ونظام الأسد أكثر من علاقته بمساعدة المدنيين السوريين، الذين سيظلون رهينة المطالب الروسية إذا لم تُتخذ أي خطوة في هذا الصدد قبل التصويت المقبل هذا الصيف.

في 9 كانون الثاني/يناير، وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على “القرار 2672” الذي يمدد تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا لمدة ستة أشهر أخرى. وعلى المدى القريب، يُعد التصويت بمثابة بشرى سارة للمدنيين السوريين الذين يعانون من إحدى أسوأ أزمات الطاقة منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011. لكن المشكلة الرئيسية لا تزال قائمة، ففي غياب آلية بديلة خارج مجلس الأمن، ستظل المساعدات عبر الحدود مرتبطة بالمطالب السياسية والأمنية المتزايدة لروسيا في سوريا، والتي ترتبط في النهاية بالوضع في أوكرانيا أيضاً.

لقد فوجئ الكثيرون بقرار موسكو الذي يقضي بالموافقة على القرار الجديد لمجلس الأمن. فعلى مر السنين، هددت روسيا مراراً وتكراراً باستخدام حق النقض ضد قرارات سابقة، ورضخ الغرب إلى حد كبير لمطالبها من خلال إضعاف آلية المساعدة باستمرار. ومن هذا المنظور، بدا تصويت هذا الشهر كعلامة مرحب بها على استعداد إدارة بايدن للتمسك بموقفها في سوريا على الرغم من التعامل مع التحدي الروسي المعقد في أوكرانيا. حتى أن موسكو لم تلجأ إلى تكتيكها المتكرر المتمثل في الامتناع عن التصويت النهائي للإشارة إلى استيائها من الآلية.

لكن تصويت روسيا بنعم ليس له علاقة كبيرة بالسياسة الأمريكية، ناهيك عن المخاوف الإنسانية للشعب السوري. وعلى الأرجح نتج عن الجهود الدبلوماسية المستمرة التي يبذلها فلاديمير بوتين لجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد معاً ضمن (اجتماع) قمة في وقت ما في ربيع هذا العام. ولا تزال موسكو ملتزمة بهدفها الرئيسي في سوريا، وهو تطبيع العلاقات الدولية (أو الإقليمية على الأقل) مع نظام الأسد. ويمكن للموافقة المؤقتة على الآلية العابرة للحدود أن تسهل تحقيق هذا الهدف.

ويُعد تصويت روسيا بنعم في تموز/يوليو 2021 مثالاً جيداً في هذا السياق. ففي ذلك الوقت، أشاد البعض بالنتيجة باعتبارها انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لإدارة بايدن. لكن موسكو لم توافق على الآلية في ذلك الصيف إلا بعد حصولها على تنازلات كبيرة بشأن ما إذا كان ينبغي تطبيق العقوبات على مشاريع “التعافي المبكر” في سوريا وغيرها من المبادرات التي تفيد نظام الأسد.

وفي الواقع، يبقى تخفيف العقوبات والتطبيع الأوسع نطاقاً من أولويات روسيا اليوم. وعندما شرح ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا تمديد 9 كانون الثاني/يناير، قال ما يلي: “يُظهر تصويت روسيا اليوم تقديرنا لـ “حملة الأقلام” (واضعي المسودة الأولى) السابقين: النرويج وأيرلندا، والطريقة التي تعاملا بها مع مفاوضات مشروع القرار هذه المرة… لن يتم التجديد لـ 6 أشهر أخرى في تموز/يوليو إلا إذا تغيرت بحلول ذلك الوقت مقاربة أعضاء مجلس الأمن الدولي تجاه تقديم المساعدة الإنسانية إلى سوريا من حيث النوعية”. وكان تعليقه المتعلق بـ “حملة الأقلام” على الأرجح إشارة منه إلى تصويت تموز/يوليو 2022، عندما تراجع أعضاء مجلس الأمن عن معظم المواضيع الجوهرية وأصدروا قراراً كان بمثابة ربح صافٍ لروسيا. كما أوضحت تصريحاته أن موسكو ستطالب بشيء مقابل دعم آلية المساعدة مجدداً هذا الصيف. واختتم حديثه باستهجان ما يعتبره ازدواجية المعايير والتمييز الممارس من قبل الغرب ضد الأسد، بقوله: “إن العقوبات هي العامل الرئيسي الذي يؤثر على تدهور الوضع الإنساني في سوريا … الدول الغربية تعمد إلى تفاقم الوضع بينما تعرقل … التطبيع و [وتشوّه الخطوات المتخذة من قبل] الحكومة الشرعية”.

وعلى الرغم من أن واشنطن يجب أن تدرس سبلاً لتحسين تقديم المساعدات الإنسانية وتسهيل الجهود الحقيقية للتعافي المبكر في سوريا (على سبيل المثال، المشاريع المتعلقة بالمياه والخدمات الأساسية الأخرى)، إلا أنه لا يزال يتعين عليها بذل كل ما في وسعها لمنع موسكو من نقل الشاحنات المليئة بالبضائع عبر هذه الثغرة إلى خزائن نظام الأسد. ويقتضي ذلك التدقيق بشدة في جميع المشاريع المقترحة للتعافي المبكر من حيث نطاقها والأشخاص والكيانات المشاركة في بنائها وتنفيذها.

وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن استكشاف بدائل للآلية العابرة للحدود من أجل منع بوتين والأسد من احتجاز المساعدات كرهينة، خاصة بالنسبة للعديد من السوريين المقيمين خارج مناطق سيطرتهم. ويتمثل أحد الخيارات في إنشاء “قناة بيضاء” للمساعدات المخصصة لسوريا على غرار تلك التي تمت الموافقة عليها لإيران في تشرين الأول/أكتوبر 2020. بالإضافة إلى ذلك، بما أن روسيا وافقت الآن على تمديد أمده ستة أشهر، إلّا أنه لا يوجد سبب يدعو الولايات المتحدة أو “الاتحاد الأوروبي” إلى مجاملة أي مصالحة محتملة بين الأسد وأردوغان، بل ينبغي على المسؤولين الأمريكيين ثني تركيا بشدة عن هذه الخطوة. وإذا لم تقم واشنطن وحلفاؤها بالاستعدادات اللازمة الآن، قبل اقتراب موعد التصويت في تموز/يوليو المقبل، فسوف يستمرون في ارتكاب الخطأ ذاته عندما يتعلق الأمر بسوريا وروسيا.

آنا بورشيفسكايا

معهد واشنطن