كيف ستكون سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة تجاه الصين؟

كيف ستكون سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة تجاه الصين؟

في الوقت الذي يروّج فيه نتنياهو لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع بكين، عليه أن يبقى مدركاً لكيفية تقييم أسلافه للمخاوف الاستراتيجية العميقة لواشنطن بشأن الأمن القومي والتكنولوجيا.

* *
في ظل المنافسة الاستراتيجية العالمية، على الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين أن تدير بحكمة علاقاتها مع القوى العظمى. على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قاد بحماس جهود تطوير علاقات إسرائيل مع الصين في العقد الماضي، أن يقرر المسار الذي ستتبعه إسرائيل في المستقبل، وتوجّه هذا المسار ما بين الصين والولايات المتحدة، وما بين الاقتصاد والأمن القومي.

منذ بداية العقد الماضي، انتهجت الحكومات الإسرائيلية سياسة واضحة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين في مجالات الابتكار والاستثمار والمشاريع والتجارة. ورأى نتنياهو، مهندس هذه العلاقات، أن الاقتصاد الصيني المتنامي يشكل فرصة مهمة لإسرائيل، واصفاً ابتكارات الدولة الناشئة واحتياجات الصين التكنولوجية ورأس مالها وأسواقها بأنها نموذج مثالي للتوافق التام.

ويصف نتنياهو في كتابه الجديد الذي يروي سيرة حياته هذه السياسة. ويقول إنه سار بخطوات حذرة فيما يخص علاقات إسرائيل مع الصين على غرار معظم القادة الغربيين. فمن ناحية، تَمثّلَ الهدف في فتح السوق الصيني الواسع أمام المستثمرين الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه إنشاء استثمارات صينية في إسرائيل، لا سيما على صعيد البنى التحتية العامة.

ومن ناحية أخرى، كان نتنياهو صريحاً مع الصينيين بشأن القيود المفروضة على التقنيات العسكرية والاستخباراتية التي لا تستطيع إسرائيل مشاركتها مع الشركات الصينية. وكان ذلك بمثابة التزام حازم تجاه الولايات المتحدة، الحليف الكبير لإسرائيل، التي تشاركها العديد من هذه التقنيات، فضلاً عن قيم الحرية والديمقراطية. وفي الواقع، يمكن وصف سياسة إسرائيل على صعيد علاقاتها مع الصين في هذه الفترة بأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية إلى أقصى حد، مع التركيز على الابتكارات واستبعاد المجالين العسكري والدفاعي.

من جهتها، مارست إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضغوطاً على القدس لتقييد علاقاتها مع الصين في المجالات التي تؤثّر على الأمن القومي، لا سيما الاستثمار والبنى التحتية والاتصالات والبيانات والتكنولوجيا. وفي نهاية العام 2019، قررت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، إنشاء آلية استشارية بشأن جوانب الأمن القومي للاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، عرّف الكثيرون في إسرائيل والولايات المتحدة هذه السياسة بأنها محاولة لإدارة العوائق والتباطؤ من أجل المناورة بين المطالب الأميركية والفرص الاقتصادية الصينية.

ظاهرياً، واصلت الحكومتان الإسرائيليتان، بقيادة بينيت ولابيد، سياسة أسلافهما. ولكن في الواقع، كشفت السنوات الأخيرة عن تغيير هادئ في السياسة بشأن العلاقات مع الصين والولايات المتحدة. فقبل أن يغادر رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت لعقد أول لقاء له مع الرئيس جو بايدن، أفادت بعض التقارير بأن الحكومة الإسرائيلية أخذت المخاوف الأميركية بشأن العلاقات مع الصين على محمل الجد، معتبرةً إياها قضية متعلقة بالأمن القومي.

وفي تموز (يوليو) 2022، نشر بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، يائير لابيد، إعلاناً مشتركاً حول إقامة حوار استراتيجي بشأن التقنيات المتقدمة، برئاسة مستشاريْ الأمن القومي الأميركي والإسرائيلي، جيك سوليفان وإيال حولاتا. وفي 12 تشرين الأول (أكتوبر)، قررت الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها تعزيز الآلية الاستشارية بشأن الاستثمارات الأجنبية.

وقال السفير الأميركي لدى إسرائيل، توم نايدز، أن الإدارة الأميركية توصلت أيضاً إلى تفاهمات مع إسرائيل بشأن التجارة مع الصين، وأنها ستشدد الرقابة على بيع التكنولوجيا المحلية للصين، خشية وقوعها في الأيادي الخاطئة. لذلك سعت سياسة إسرائيل خلال هذه الفترة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية المثمرة والآمنة مع الصين في ظل زيادة الرقابة وتوسيع الضمانات، بينما وطّدت في الوقت نفسه الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مع التركيز على التكنولوجيا والابتكار.

في الآونة الأخيرة، أعرب كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية عن تقديرهم للتقدم الملحوظ الذي أحرزته إسرائيل في هذا المجال (“إسرائيل تحصل على درجة عالية”)، مشيرين إلى التغيير الملحوظ في عهد الحكومة المنتهية ولايتها، ومتطلعين إلى استمرار هذا التقدم في ظل الحكومة المقبلة.

ما نوع السياسة التي سيتبعها نتنياهو مع عودته إلى مكتب رئيس الوزراء؟

في حديثه عن علاقات إسرائيل مع الصين في مقابلة أجرتها معه “باري وايس”، قال نتنياهو: “فتحتُ بحماس الآفاق أمام إسرائيل للتعامل مع الصين في التجارة والمشاريع الاقتصادية. وأفترض أنني سأستمر في القيام بذلك. غير أن مسائل الأمن القومي لا تغيب أيضاً عن أذهاننا، كما أنها حاضرة في أذهان الآخرين. سنواصل العمل مع الصين لكننا سنحمي أيضاً مصالحنا الوطنية”.

أصبح العالَم مختلفاً تماماً عما كان عليه عندما صاغ نتنياهو سياسته في أوائل العقد الماضي. فقد أصبحت المنافسة بين القوى العظمى أشد شراسة، وتوسّعت لتتجاوز نطاق تبادل الانتقادات وتتخطى مجال التعريفات الجمركية، لتصل إلى فرض قيود هائلة على صادرات رقائق السيليكون والتكنولوجيا، والحرب في أوكرانيا، وبروز احتمال حقيقي لحدوث صدام عسكري حول تايوان.

ولا يستطيع نتنياهو خوض التجربة نفسها مجدداً بعد أن ضاقت جداً المساحة التي تتمتع بها إسرائيل للمناورة بين القوى، وخاصةً في مجال التكنولوجيا. لقد انتهى شهر العسل من العقد الماضي الذي تمثّل بـ”نموذج مثالي للتوافق التام”. كما تواجه العديد من الديمقراطيات معضلات مماثلة لتلك التي تواجه إسرائيل، وتبرز كجهات شريكة هامة لتحقيق أمن التكنولوجيا.

ونظراً لمجموعة القضايا السياسية المطروحة على جدول الأعمال بين القدس وواشنطن -والتي تشمل إيران والفلسطينيين وروسيا وأوكرانيا والعديد من الشؤون الداخلية- يبدو أن الحكومة الإسرائيلية في غنى عن أي مواجهة مع واشنطن فيما يخص علاقات إسرائيل مع الصين، وهي لا ترغب بمثل هذه المواجهة، لا سيما لأن الصين تشكل مصدر قلق كبير لواشنطن. وعلى حكومة إسرائيل أن تدرك حساسية الولايات المتحدة إزاء وتيرة علاقاتها مع الصين ومسارها.

يفتح الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة حول التكنولوجيا آفاقاً جديدة لإسرائيل من أجل إحراز تقدّم هائل في التعاون مع أكبر دولة حليفة لها، ويمكّنها من تعزيز مكانتها في واشنطن. ويجب أن تستمر الحكومة الإسرائيلية الجديدة في بناء سياستها على الأسس التي أنشأتها الحكومات السابقة منذ العام 2019. عليها أن تعزز العلاقات الاقتصادية مع الصين مع مراعاة اعتبارات الأمن القومي من ناحية، وتعزيز الحوار الاستراتيجي مع واشنطن حول التكنولوجيا من ناحية أخرى، باعتباره سبيلاً نحو تحسين الأمن التكنولوجي الإسرائيلي وتقوية العلاقات مع الدولة الحليفة التي لا غنى لإسرائيل عنها.

الغد