رأت صحيفة “واشنطن بوست” أن الخلافات داخل حلف الناتو بشأن انضمامكل من السويد وفنلندا إليه هي هدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقالت، في افتتاحية لها، إن الحرب في أوكرانيا ستظل غير مكتملة إستراتيجياً بالنسبة للغرب لو لم تتم هزيمة بوتين، أو تم تغيير النظام في موسكو، وحل محله نظام متجرد من الفنتازيا الإمبريالية.
والخارج عن القاعدة في هذا هو طلب كل من فنلندا والسويد طلب العضوية في الحلف. وهو بات في متناول اليد، إلا أن عضواً رئيسياً من 30 دولة يعرقل الدخول فيه: تركيا. وتعتقد الصحيفة أن هذا المأزق مرتبط بحزمة من المشاكل الداخلية التي تواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي مشاكل صنعها الرئيس بنفسه.
ويعتبر أردوغان مساوماً لا يكلّ، ومن المتوقع استخدام النفوذ الذي لديه للحصول على تنازلات من حلفائه في الناتو، ويثير قاعدته القومية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في حزيران/ يونيو.
وترى الصحيفة أن من الخطأ تجاهل تعويق عملية الدخول باعتبارها موقفاً مؤقتاً أو الافتراض أن المشكلة ستختفي لو فاز أردوغان في الانتخابات، رغم سوء إدارته البلاد والتضخم الذي وصل لمستويات عليا والاضطرابات الاقتصادية.
وتقول الصحيفة إن حل الأزمة يحتاج إلى دبلوماسية ثابتة وتنازلات حقيقية، بعضها في يد واشنطن لكي تقوم بها. ويمكن للرئيس بايدن والكونغرس لعب دور فيها.
ويجب عليهم التحرك، لأنه مهما تسببت تركيا من صداع للناتو، لأنها عضو قوي ولا يستغنى عنه في الناتو، يؤثر قرارها على توسيع الناتو أو عدمه ويترك تداعيات تيتانية. وتظل كل من السويد وهولندا بلدين صغيري الحجم، وسيضيفان معاً إلى سكان الناتو البالغ عددهم 950 مليون نسمة، نسبة 2% إلا أن دخولهما فيه سيكون لكمة موجعة، ويمثل هزيمة إستراتيجية لبوتين الذي سيواجه حلفاً ممتداً على طول حدود بلاده.
كما أن التحرك الملموس المتوفر لواشنطن والأوروبيين سيكشف عن حماقة الكرملين في الغزو الدموي لدولة ذات سيادة لم تكن تمثل أي تهديد لموسكو. وكما ستوسع مظلة الناتو لدولتين تشعران بالتهديد من موسكو، التي أظهرت استعداداً لإطلاق العنان لحرب إقليمية واسعة، وقررتا التخلي عن الحياد وتقديم طلب للدخول في عضوية الحلف العسكري.
وتشير الصحيفة إلى أن الرئيس أردوغان استفاد من تقديم الطلبين، وما يسمح به الناتو لكل دولة عضو من استخدام الفيتو على التوسع، وقام بتكبير مظالم تركيا من الدولتين في المنطقة الشمالية لأوروبا، والناتو كذلك، بما فيه الولايات المتحدة. وبعض هذه المظالم متجذر في مظاهر الأمن التي تثير قلق تركيا، وحالة الاستبداد التي باتت تشكل طبيعة حكم أردوغان والطبيعة الديمقراطية القوية التي تعيشها بقية الدول الأعضاء في الناتو، وكذا فنلندا والسويد.
وبعض مطالب أردوغان من الصعب تلبيتها، فهو يريد من السويد، التي يبلغ تعداد سكانها الأكراد حوالي 100.000 نسمة، قمع الناشطين المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) التي نفذت هجوماً انتحارياً في تركيا، ومصنفة كجماعة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. والمشكلة مرتبطة جزئياً في مطالبة أنقرة بترحيل الأكراد وغيرهم من الناشطين المعادين لأردوغان، والذين فصلت فيهم المحاكم، ولم تر أنه يمكن ترحيلهم، وفي حالة طلب أردوغان فيها ترحيل صحافي يزعم أنه دعم انقلاب عام 2016 للإطاحة به، رفضت المحاكم السويدية الطلب.
وعلى أية حال يجب ألا يتوقع أردوغان من الدول الغربية التخلي عن قوانينها وعملياتها القضائية وتسليمه الأشخاص الذين يعتبرهم أعداء.
وهناك طلب آخر يتعلق برفع الدولتين في شمال أوروبا الحظر عن تصدير السلاح لأنقرة، وهذه قضية يبدو أنها في طريق الحل. وشدد الاتحاد الأوروبي الحظر بعد قيام تركيا بالتوغل عام 2019 لضرب الجماعات الموالية لبي كي كي في شمال- شرق سوريا.
وبدأت السويد باستئناف مبيعات السلاح، ومن الحكمة أن تحذو فنلندا حذوها. وهناك قضية أكبر تتعلق بصفقة 20 مليار دولار لتزويد تركيا بمقاتلات أف-16، لتحديث أسطولها، فرغم دعم إدارة بايدن للصفقة إلا أن النواب في الكابيتال هيل يعارضونها لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، أو بضغط من اليونان التي تعارض البيع.
وترى الصحيفة أن وقوف الكونغرس أمام الصفقة قصير النظر، ويتضاءل الموقف عندما ينظر للصورة الأوسع بشأن توسيع الناتو ودور تركيا فيه. ولا أحد يجادل أن تركيا التي انضمت للناتو عام 1952 وبعد 3 أعوام من نشوئه ظلت حليفاً غير مريح لأعضائه، وزاد أردوغان من هذه المشاكل منذ وصوله إلى السلطة، وتوطيده الصلات مع بوتين الذي أرسل قواته إلى أوكرانيا.
وفي 2019 نشرت تركيا نظام أس-400 للدفاع الصاروخي الذي اشترته من روسيا، رغم اعتراض إدارة دونالد ترامب. فقد خشيت الولايات المتحدة من أن يؤدي هذا للتأثير على مشروع الناتو إنتاج مقاتلات اف-35 . وتم النظر في واشنطن لإصرار أردوغان على شراء المنظومة بالخيانة. فالمشاعر الساخطة والمصالح المتصادمة هي ثمن أي تحالف دائم.
ففي النهاية تعتبر تركيا وأعضاء الناتو مهمين لبعضهم البعض، وضروريين لهزيمة بوتين. فتركيا مهمة للناتو لأنها حاجز له ضد إيران وزودت أوكرانيا بالمسيرات والأسلحة الأخرى، وأغلقت المعابر في البحر الأسود أمام البحرية الروسية. وبشكل متساو، عانت تركيا من مواجهة مع روسيا عام 2015 بعد إسقاط الطائرة الروسية التي دخلت المجال الجوي التركي، وعليها ألا تنفر الناتو وتعرض ورقة الحماية التي يقدمها للخطر.
وفي النهاية سيظل بوتين الرابح الأكبر من المواجهة بشأن السماح لفنلندا والسويد الحصول على عضوية الناتو. وكلما توصل الناتو وتركيا لتسوية كلما انعكس هذا إيجابياً على الجميع.
القدس العربي