وحدات الصفر التي دعمتها الـ”سي. آي. إيه” في أفغانستان‏

وحدات الصفر التي دعمتها الـ”سي. آي. إيه” في أفغانستان‏

غارات ليلية مميتة. استخبارات أميركية خاطئة. ثغرة لشن حرب “سرية”. أمضت الصحفية لينزي بيلينغ سنوات وهي تجري تحقيقًا في الخسائر المدنية التي أوقعتها في صفوف الأفغان “وحدات الصفر” Zero Units التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأفغانية.‏
* * *
في‏‏ العام 2019، ‏‏عادت المراسلة الصحفية، لينزي بيلينغ، إلى أفغانستان‏‏ للبحث في جرائم القتل التي ذهبت ضحيتها أمها وأختها قبل ما يقرب من 30 عامًا. لكنها عثرت، بدلاً من ذلك، في المناطق النائية من البلاد على “وحدات الصفر” التي تتلقى الدعم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه)، والتي شنت غارات ليلية -عمليات سريعة ووحشية مصممة بحيث تخلِّف آثارًا نفسية مدوية، بينما عملها الظاهري هو القضاء على أهداف العدو ذات الأولوية العالية.‏
‏حاولت بيلينغ تقصي حجم الوفيات المدنية التي خلفتها واحدة فقط من أربع وحدات صفرية، والمعروفة باسم “الوحدة 02″، على مدى أربع سنوات. ‏‏وكان التقرير الناتج‏‏ جهدًا لم يبذل مثله -ولن يتمكن من تكراره- أي أحد آخر مرة أخرى. وكان هذا ما وجدَته:‏
• ‏قُتل ما لا يقل عن 452 مدنيًا أفغانيًا في 107 غارات. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا الرقم أقل من الواقع.‏‏ وفي حين أن بعض الغارات أسفرت عن القبض على -أو قتل- متشددين معروفين، فإن بعضها الآخر قتلت المارة، أو بدا أنها تستهدف الناس من دون سبب واضح.‏
• ‏يبدو أن عددًا مقلقًا من هذه الغارات والمداهمات قد اعتمد على معلومات استخباراتية خاطئة من وكالة المخابرات المركزية‏‏ وغيرها من أجهزة جمع المعلومات الاستخباراتية الأميركية. ووصف جنديان من إحدى وحدات الصفر الأفغانية الغارات التي تم إرسالهما للمشاركة فيها، والتي قالا إن الولايات المتحدة هي التي اختارت أهدافهما.‏
• ‏أقر الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأفغانية بأن هذه الوحدات كانت تخطئ في بعض الأحيان وتقتل مدنيين.‏‏ وكان هذا المسؤول قد أشرف على “وحدات الصفر” خلال فترة حاسمة في أفغانستان، ووافق على أن أحدًا لم يواجه أي تداعيات نتيجة لتلك الغارات الفاشلة. ومضى إلى القول في وصف عملية سارت بشكل خاطئ: “ذهبتُ إلى العائلة وقلت: ’نحن آسفون. … إننا نريد أن نكون مختلفين عن طالبان‘. أعني أننا فعلنا؛ أردنا أن نكون مختلفين عن طالبان”.‏
• ‏لم يكن الجنود الأفغان وحدهم يشاركون في الغارات. كان جنود قوات العمليات الخاصة الأميركية الذين يعملون مع وكالة المخابرات المركزية غالبًا ما ينضمون إليهم.‏‏ وقال الجنود الأفغان الذين تحدثت إليهم بيلينغ إنه عادة ما يرافقهم في الغارات ما لا يقل عن 10 جنود من قوات العمليات الخاصة الأميركية. وقال أحد الأفغان: “لقد حدثت هذه الوفيات على أيدينا. شاركت في العديد من الغارات. وكانت هناك مئات الغارات التي قتل فيها أحد ما لم يكن من طالبان أو ’داعش‘، وحيث لم يكن يوجد أي مسلحين على الإطلاق”.‏
• ‏كان المخططون العسكريون يقومون بإدخال “الأضرار الجانبية” المحتملة في حسابات ما قبل الغارة -كم عدد النساء/ الأطفال/ وغير المقاتلين الذين سيكونون معرضين للخطر إذا لم تسر الغارة على ما يرام،‏ وفقًا لفرد من قوات الحرس الوطني في الجيش الأميركي الذي تحدثت إليه بيلينغ. وقال إن هذه التوقعات كانت عالية الاحتمال، ومع ذلك لا يبدو أن أحدًا كان يهتم حقًا. وقال لبيلينغ إن الغارات الليلية كانت خيارًا أفضل من الغارات الجوية، لكنه أقر بأن هذه الغارات كانت تنطوي على خطر خلق مجندين جدد من المتمردين. وقال: “إنكَ تذهب في غارات ليلية، وتصنع المزيد من الأعداء، ثم يجب أن تذهب في المزيد من الغارات الليلية لخلق المزيد من الأعداء الذين يتعين عليك الآن قتلهم”.
• ‏لأن “وحدات الصفر” كانت تعمل في إطار برنامج وكالة المخابرات المركزية، كانت أعمالها جزءًا من حرب “سرية”؛‏‏ حيث تكون خطوط المساءلة غامضة لدرجة أنه لم يترتب على أحد أن يُحاسب على العمليات التي سارت بشكل خاطئ. وكانت أي مسؤولية للولايات المتحدة عن الغارات تموَّه بهدوء باستغلال ‏‏ثغرة قانونية‏‏ تسمح لوكالة المخابرات المركزية -وأي جنود أميركيين تمت إعارتهم للوكالة ليشاركوا في عملياتها- بالتصرف من دون الخضع لمستوى الرقابة نفسه التي يخضع لها الجيش الأميركي.‏
• ‏قال مساعدون في الكونغرس وموظفون سابقون في لجنة الاستخبارات، إنهم لا يعتقدون أن الكونغرس كان يحصل على صورة كاملة لعمليات وكالة المخابرات المركزية في الخارج.‏‏ وقال محامون يمثلون المبلِّغين عن المخالفات إن هناك دافعًا كافيًا للتقليل من شأن عدد المدنيين الذين قتلوا أو أصيبوا في مثل هذه العمليات أمام الكونغرس. وقال أحد المحامين إنه بحلول الوقت الذي تصل فيه التقارير إلى لجان الرقابة في الكونغرس، فإنها “تقلل من عدد الوفيات وتبالغ في تقدير الدقة”.‏
• ‏اعتمدت أجهزة الجيش والمخابرات الأميركية منذ فترة طويلة على الغارات الليلية التي تشنها قوات مثل “الوحدة 02” لمحاربة التمرد في جميع أنحاء العالم.‏‏ وقد أثارت هذه الاستراتيجية الغضب، مرارًا وتكرارًا، لاعتمادها على معلومات استخباراتية مَعيبة في بعض الأحيان، وبسبب الحصيلة العالية من القتلى المدنيين. في العام 1967، استخدم برنامج “فينيكس” التابع لوكالة المخابرات المركزية الأميركية غارات القتل والقبض على المتمردين ضد تمرد الفيتكونغ في جنوب فيتنام، مما أدى إلى رد فعل شعبي شديد. وعلى الرغم من سمعة البرنامج المخزية -حيث وجدت دراسة أجراها البنتاغون في العام 1971 أن 3 في المائة فقط من القتلى أو الأسرى كانوا أعضاء كاملين أو تحت الاختبار من الفيتكونغ فوق مستوى المحافظة- يبدو أن البرنامج شكل مخططًا تأسيسيًا لعمليات الغارات الليلية المستقبلية.‏
• ‏‏وصف شهود عيان، وناجون، وأفراد عائلات كيف اقتحم جنود الوحدات الصفرية ‏‏منازلهم ليلاً‏‏، مما أسفر عن مقتل أحبائهم في أكثر من 30 موقعًا للغارات زارتها بيلينغ. ولم يعد أي مسؤول أفغاني أو أميركي إلى تلك المواقع لإجراء تحقيق. وفي إحدى الحالات، كان شاب يبلغ من العمر 22 عامًا يُدعى باتور شاهدًا على غارة أسفرت عن مقتل شقيقيه. كان أحدهما مدرسًا والآخر طالبًا جامعيًا. وقال لبيلينغ إن استراتيجية الوحدات الصفرية هذه صنعت بالفعل أعداء من العائلات مثل عائلته. وقال إنه وإخوته دعموا الحكومة وتعهدوا بعدم الانضمام إلى طالبان. أما الآن، فقد أصبح غير متأكد، كما قال.‏
• ‏لم يتم تقديم سوى القليل من التفسير لأقارب القتلى‏‏ -أو لجيرانهم وأصدقائهم- إذا قُدم تفسير من الأساس، حول سبب استهداف هؤلاء الأفراد بالذات والجرائم التي اتهموا بها. وقيل للعائلات التي سعت إلى الحصول على إجابات من مسؤولي المقاطعات حول الغارات إنه لا يمكن فعل أي شيء لأنها كانت عمليات قامت بها وحدة صفرية. ويتذكر أحد أفراد أسرة مكلومة أنه قيل له بعد مقتل أحفاده الثلاثة في غارة جوية وغارة ليلية: “لديهم استخباراتهم الخاصة ويقومون بعملياتهم الخاصة. أعطانا حاكم المقاطعة طردًا من الأرز وعلبة زيت وبعض السكر” كتعويض عن عمليات القتل. وفي المرافق الطبية، قال الأطباء لبيلينغ إنهم لم يتلقوا أي اتصال على الإطلاق من محققين أفغان أو أميركيين أو من جماعات حقوق الإنسان بشأن مصير المصابين في الغارات. وقد توفي بعض الجرحى في وقت لاحق، مما زاد بهدوء من حصيلة الضحايا.‏
‏في تصريح لها، قالت المتحدثة باسم وكالة المخابرات المركزية، تامي ثورب: “كقاعدة عامة، تتخذ الولايات المتحدة تدابير استثنائية -تتجاوز تلك التي ينص عليها القانون- للحد من الخسائر في صفوف المدنيين في النزاعات المسلحة، وتتعامل مع أي ادعاء بانتهاكات حقوق الإنسان بأقصى قدر من الجدية”. وقالت إن أي مزاعم بانتهاكات لحقوق الإنسان يرتكبها “شريك أجنبي” تتم مراجعتها، وإذا كانت صحيحة، فإن وكالة المخابرات المركزية و”عناصر أخرى من الحكومة الأميركية تتخذ خطوات ملموسة، بما في ذلك توفير التدريب على القانون المعمول به وأفضل الممارسات، أو إذا لزم الأمر إنهاء المساعدة أو العلاقة”. وقالت ثورب إن وحدات الصفر كانت هدفًا لحملة دعائية منهجية تهدف إلى تشويه سمعتها بسبب “التهديد الذي تشكله على حكم طالبان”.‏
ولم ترد وزارة الدفاع الأميركية على أسئلة حول عمليات الوحدات الصفرية.‏
‏مع طبيب شرعي، سافرت بيلينغ مئات الأميال عبر بعض المناطق الأكثر اضطرابًا في البلاد -حيث زارت مواقع أكثر من 30 غارة، وأجرت مقابلات مع الشهود والناجين وأفراد الأسر والأطباء وشيوخ القرى. ولفهم طبيعة البرنامج، التقت سرًا مع جنديَّين من وحدة إحدى وحدات الصفر على مدار سنوات، وتشاجرت مع سيد التجسس السابق في أفغانستان في منزله شديد التحصين، وسافرت إلى مطعم في وسط أميركا للقاء جندي الحرس الوطني في الجيش الذي انضم إلى تلك الوحدات في العمليات.‏‏
‏كما أجرت أكثر من 350 مقابلة مع مسؤولين حكوميين أفغان وأميركيين حاليين وسابقين، وقادة أفغان، ومسؤولين عسكريين أميركيين، ومسؤولين دفاعيين وأمنيين أميركيين، وضباط استخبارات سابقين في وكالة المخابرات المركزية، إضافة إلى مشرعين أميركيين وأعضاء سابقين في لجنة الرقابة، وضباط مكافحة الإرهاب والسياسة، وخبراء تقييم الخسائر المدنية، ومحامين عسكريين، ومحللي استخبارات، وممثلين عن منظمات حقوق الإنسان، وأطباء ومديري مستشفيات وأطباء شرعيين وفاحصين شرعيين، وشهود عيان وأفراد من الأسر -بعضهم لم يتم ذكر أسمائهم في القصة حفاظًا على سلامتهم.‏
‏في حين أن حرب أميركا في أفغانستان ربما تكون قد انتهت، فإن هناك دروسًا يمكن تعلمها مما خلفته وراءها. وتكتب بيلينغ:
‏”لدى الحكومة الأميركية أساس ضئيل للاعتقاد بأن لديها صورة كاملة عن أداء الوحدات الصفرية. مرارًا وتكرارًا تحدثت مع الأفغان الذين لم يشاركوا قصصهم مع أي أحد من قبل. وقال مسؤولو الكونغرس القلقون بشأن عمليات وكالة المخابرات المركزية في أفغانستان إنهم فوجئوا بعدد القتلى المدنيين الذي وثقته”.‏
‏”عندما امتلأت دفاتر ملاحظاتي، أدركت أنني كنت أقوم بتجميع رواية شاهد عيان لفصل مخزٍ بشكل خاص من سجل الولايات المتحدة المشحون بالتدخلات الخارجية”.‏
“من دون مراجعة حساب حقيقية لما حدث في أفغانستان، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة يمكنها بسهولة استخدام التكتيكات الفاشلة نفسها في بلد جديد في مواجهة بعض التهديدات الجديدة”.‏

الغد