وضع النظام السوري شروطاً عدة، قبل المضي في طريق التقارب مع أنقرة، وهو ما يلقي بظلاله على هذا المسار الذي يصطدم بالكثير من العقبات، أبرزها عدم الترحيب الأميركي بأي تطبيع يمكن أن يسهم في إعادة تأهيل بشار الأسد الذي وصفته وزارة الخارجية الأميركية بـ”الديكتاتور الوحشي”.
نظام الأسد وشروط التقارب
وقال رئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال لقائه أول من أمس السبت، وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في دمشق، إن نظامه لن يسير إلى الأمام في حواراته مع الجانب التركي “إلا إذا كان هدفها إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية”، في إشارة واضحة إلى فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري، والتي تتلقى دعماً من الجيش التركي. بدوره، قال وزير خارجية النظام فيصل المقداد، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإيراني، إنه سيتعين على تركيا إنهاء وجودها العسكري في سورية لتحقيق تقارب كامل.
وكانت أنقرة دشّنت تقارباً مع النظام السوري بدفع من الجانب الروسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجلى في اجتماع وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري، سيرغي شويغو وخلوصي أكار وعلي محمود عباس، في موسكو (في 28 ديسمبر الماضي)، وهو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين تركيا والنظام منذ عام 2011.
وينتظر عقد لقاء بين وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، ووزير خارجية النظام قريباً. وفي السياق، رجح جاووش أوغلو، يوم الخميس الماضي، أن يكون اللقاء بنظيره السوري في أوائل فبراير/شباط القادم، نافياً في الوقت ذاته التقارير التي تفيد بأنهما قد يجتمعان خلال هذا الأسبوع. وقال جاووش أوغلو، بحسب وكالة رويترز: “قلنا من قبل إن هناك بعض المقترحات بشأن لقاء الأسبوع المقبل (الحالي)، لكنها لا تناسبنا. قد يكون ذلك في بداية فبراير، ونحن نعمل على تحديد موعد”.
وتشير المعطيات المتوافرة حتى الآن، إلى أن لقاء جاووش أوغلو والمقداد، ربما يُؤجل، أو قد لا يحقق الهدف المرجو منه في حال انعقاده. وفي السياق، من المتوقع أن يسمع وزير الخارجية التركي خلال زيارته إلى واشنطن، رفض الإدارة الأميركية لأي انفتاح أو تقارب مع الأسد الذي وصفه المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في 3 يناير الحالي بـ”الديكتاتور الوحشي”.
تريث تركي قبل لقاء جاووش أوغلو وبلينكن
وفي ظلّ هذه الأجواء، تتريث أنقرة في عقد لقاء جاووش أوغلو – المقداد إلى ما بعد زيارة واشنطن، بانتظار أي تفاهمات قد يتم التوصل إليها خلال الزيارة. وبرز أخيراً معطى جديد، تمثل بإلغاء واشنطن في ديسمبر الماضي الشروط التقييدية التي كانت وضعتها لبيع تركيا مقاتلات “إف 16”. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أول من أمس، أن إدارة الرئيس جو بايدن ستطلب من الكونغرس الموافقة على بيع مقاتلات “إف 16” إلى تركيا.
وفرضت العديد من التحديات التي تواجه الجانب التركي، على أنقرة، التقارب مع النظام السوري بعد أكثر من عقد من العداء على خلفية القمع الذي مارسه النظام بحق المطالبين بالتغيير في سورية. ويبدو أن أنقرة تعتقد بأن إعادة العلاقات مع النظام السوري تسهم في إعادة العدد الأكبر من اللاجئينالسوريين على أراضيها، والبالغ عددهم نحو 4 ملايين سوري، تستخدمهم المعارضة التركية كورقة انتخابية قبيل أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا، والمقررة في شهر يونيو/حزيران المقبل.
كما تأمل أنقرة في أن يفضي التقارب إلى تنسيق عسكري وأمني مع النظام، هدفه التضييق على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والقضاء عليها في شمال شرقي سورية. وتشكل هذه القوات، التي تنظر إليها أنقرة باعتبارها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، قلقاً دائماً للأتراك الذين يخشون من فرض الغرب لإقليم ذي صبغة كردية على حدودهم الجنوبية.
رضوان أوغلو: دمشق تعتبر التقارب خدمة لأردوغان
وفرض الرفض الأميركي لأي عملية عسكرية برّية تركية في الشمال السوري، على الجانب التركي التساوق مع الطرح الروسي بالتقارب مع نظام الأسد، في مقدمة للتعامل لاحقاً مع خطر “قسد”، خصوصاً أن من مصلحة النظام استعادة السيطرة على الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات. لكن الشروط التي وضعها النظام من جهته، لاستكمال التقارب مع أنقرة، تبدو غير واقعية، لا سيما في ظلّ رفض نظام الأسد التعامل الجدي مع مساعي الأمم المتحدة للتوصل إلى حلّ سياسي في سورية، يمكن أن يكون مقدمة لانسحاب الجيش التركي من الشمال السوري.
وتعليقاً على ذلك، رأى رئيس وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الشروط التي يضعها النظام قبل المضي في التقارب مع أنقرة “غايتها رفع سقف التفاوض للوصول إلى أكبر قدر من المكاسب”. لكن برأيه فإن “النظام يعني ما يقول، فهو بالفعل يريد ترتيبات لانسحاب الجيش التركي من شمال سورية وترك فصائل المعارضة السورية وحيدة أمام قواته”.
وأعرب سالم عن قناعته بأن تقارب حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع النظام “غايته الحصول على مكاسب انتخابية”، إذ تريد هذه الحكومة “الظهور بمظهر الذي يقوم بما عليه لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”، مؤكداً أن أنقرة “بالفعل تريد عودة اللاجئين”. وأشار إلى أن أنقرة “تسعى من خلال التعاون مع الروس والنظام إلى إجهاض تجربة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سورية”، وهم “يريدون توقيع النظام على اتفاق أضنة جديد يسمح للجيش التركي بالتوغل 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية لشرعنة أي تدخل عسكري تركي مستقبلاً”، بحسب رأيه.
وحول الموقف الأميركي، أعرب سالم عن اعتقاده بأن “واشنطن تعارض توجه أنقرة نحو دمشق لكنها لا تضغط لإيقافه، حيث لم نشهد تشدداً من قبلها حيال التقارب الذي جرى بين الإمارات والبحرين مع نظام الأسد”. واعتبر أن التقارب التركي مع الأسد “ربما يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تبديد مخاوف أنقرة من قوات قسد”.
من جهته، قال المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، لـ”العربي الجديد”، إن الشروط التي يضعها النظام “تبدو طبيعية لأن دمشق تعتبر هذا التقارب خدمة لأردوغان قبيل الانتخابات التركية”. ولفت إلى “أن دولاً عدة لا تريد هذا التقارب وفي مقدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، فيما لدى دول أخرى تخوف مثل إيران”. ولم يستبعد المحلل السياسي التركي أن يضع نظام دمشق “شروطاً أخرى لينال ما يريد خلال المفاوضات”.
العربي الجديد