يبدو الصراع بين شخصيات القوى السياسية السنية النافذة في العراق مشابهاً إلى حد بعيد لما يحدث داخل القوى الشيعية. ويسود اعتقاد محلي بأن معظم تلك الصراعات تستند في مضمونها إلى التنافس الشديد على النفوذ والهيمنة والمصالح الحزبية الضيقة. ورغم انخراط تحالفي «السيادة» و«العزم» السنيين فيما بات يعرف بتحالف «إدارة الدولة»، الذي شكل حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني بمشاركة القوى الشيعية والكردية، إلا أن نيران الخلافات التي يخفيها رماد التحالف الشكلي ظلت مستعرة على طول الخط، وغالباً ما تبرز على شكل تصريحات عدائية من هذا الطرف أو ذاك. وتفجر خلال اليومين الأخيرين، صراع جديد قديم بين رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي ينتمي إلى تحالف «السيادة»، والنائب ليث الدليمي عن تحالف «العزم»، بعد أن قام الحلبوسي بقبول «استقالة سابقة» كان قد تقدم بها الدليمي من عضوية البرلمان.
وحسب كتاب صادر عن الأمانة العامة لمجلس النواب، أول من أمس، قال الحلبوسي فيه، «استناداً إلى المادة (12/ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018، فقد تقرر إنهاء عضوية ليث مصطفى حمود الدليمي في 2023/1/15 بناءً على استقالته».
وسبق أن قام الحلبوسي بتحريك قضية استقالة الدليمي بعد أشهر من إجراء انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لكن «تسويات سياسية حالت دون البت بها».
من جانبه، عدَّ الدليمي، الاثنين، القرار «ديكتاتورية ومحاولة لإخضاع النواب لإرادته (الحلبوسي)». وقال الدليمي في «تغريدة»: «تفاجأنا بإجراء تعسفي آخر اتخذه رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي بإصدار أمر نيابي غير قانوني بإنهاء عضويتنا من مجلس النواب». وأضاف: «نحن، إذ نسجل استغرابنا واستنكارنا لهذا التصرف غير المبرر، نراقب في الوقت ذاته الموقف الرسمي لتحالف السيادة والكتل النيابية الأخرى، والزملاء أعضاء مجلس النواب العراقي لاتخاذ موقف رادع للديكتاتورية والانفرادية والاستهداف المستمر واستغلال السلطة بشكل سلبي لإخضاع النواب لإرادته وهذا ما نرفضه مهما كلفنا ذلك».
وفي تصريحات لقناة إخبارية، قال الدليمي إن «الحلبوسي أجبره على كتابة استقالته أثناء الاتفاق على الترشيح لانتخابات مجلس النواب كي يرغمه لاحقاً على إطاعة أوامره المتعلقة بالتحالف السياسي».
النائب السابق مشعان الجبوري، الذي أقيل بدعوى عدم امتلاكه شهادة ثانوية رغم شغله عضوية البرلمان لثلاث دورات قبل الحالية (يتهم الحلبوسي بالوقوف وراء ذلك)، قال إن «شجاراً حاداً وقع بين الحلبوسي والنائب سالم مطر في بيت رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، وصل إلى السباب والكلام البذيء بين الاثنين». الأمر الذي قد يكشف عن حدة الصراعات القائمة بين القوى والشخصيات السنية التي قد تفضي إلى إقالة الحلبوسي من منصب رئاسة البرلمان، وتالياً انفراط عقد تحالف «إدارة الدولة» المؤلف للحكومة.
بدوره، عد تحالف «العزم» الذي يتزعمه النائب مثنى السامرائي، قرار استبعاد الدليمي بقرار من الحلبوسي «سلوكاً استبدادياً»، مطالباً رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد بـ«التدخل». وعبر «العزم»، في بيان، عن «استغرابه الشديد تجاه الأمر النيابي المتداول في وسائل الإعلام الصادر بتوقيع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لما يتضمنه من سلوك استبدادي وديكتاتوري فاضح ضد مكانة عضوية مجلس النواب العراقي التي منحت بإرادة الشعب وصوته»، معتبراً أنه اتخذ بـ«طريقة انتقامية وغير مسؤولة ضد المخالفين له بالرأي السياسي، فضلاً عن مخالفته الصريحة والواضحة لقانون النظام الداخلي للمجلس».
وأضاف أن «إنهاء عضوية النائب جاء دون الرجوع لمجلس النواب، مستنداً في ذلك إلى استقالة ابتزازية مسبقة غير قانونية وغير مؤرخة، ولا يعتد بها، وهي تخالف المادة الدستورية 39/ ثانياً، التي تنص على أنه لا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها».
وتابع: «انطلاقاً من الأسس الدستورية والقانونية والأخلاقية نطالب رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور بالاستفسار من المحكمة الاتحادية والاستيضاح عن قانونية الاستقالة المنسوبة إلى النائب ليث الدليمي، وكل استقالة على شاكلتها يتم اعتمادها مستقبلاً أو الادعاء بصحتها واستغلالها، للتأكد من صحة إجراء رئيس البرلمان وما يترتب عليه من آثار قانونية بوصفه استغلالاً للمنصب وتعسفاً متعمداً في معاقبة المخالفين سياسياً».
وطالب تحالف «العزم»، «جميع الكتل السياسية والنواب المستقلين بموقف مسؤول لحماية العملية السياسية والمسار الديمقراطي الذي قدم العراقيون من أجله الشهداء والجرحى، وقطع الطريق على كل من تسول له نفسه العودة بعجلة الزمن إلى الوراء من خلال ممارسة الغرائز والسلوكيات لاستبدالها».
ويبدو أن الهزة الارتدادية التي أعقبت قرار الإقالة، وصلت إلى تحالف الحلبوسي (السيادة)، حيث أعلن النائب عنه رعد الدهلكي، انسحابه من «تحالف السيادة»، لأسباب وصفها بـ«الجوهرية».
وبغض النظر عن الأسباب التي ذكرها الدهلكي، وتتعلق بضعف الاهتمام بمحافظة ديالى التي ترشح عنها، فإن استقالته تزامنت مع قرار الحلبوسي إقالة الدليمي، ومعروف أن الدهلكي كان من بين أشد النواب الداعمين لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
الشرق الأوسط