تتصاعد الخلافات الكردية ـ الكردية على امتداد إقليم كردستان العراق بين الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البرزاني والذي يحكم في محافظتي أربيل ودهوك، وحزب الاتحاد الوطني الذي يتزعمه بافل طالباني ويسيطر على محافظة السليمانية. وتتشابك المسائل المتنازع عليها بين الحزبين والإدارتين فلا تقتصر انعكاساتها على حياة المواطنين الأكراد في الإقليم ذاته، بل تتسع آثارها لتشمل الأداء الكردي على أصعدة عراقية فدرالية في رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب.
وإذا كانت الخصومة قديمة وتضرب بجذورها في أسباب عديدة خلقت انشطار المكوّن الكردي إلى قطبين، وسبق لها أن تفاقمت إلى درجة الاقتتال المسلح أواسط تسعينيات القرن المنصرم وخلّفت سقوط عشرات الآلاف وأضعافهم من الجرحى في صفوف المقاتلين والمدنيين، فإن معطيات النزاع الراهنة تبدأ أساساً من الاقتصاد والنفط وتقاسم ثروات الإقليم ولكنها لا تنتهي عند التمييز في الوظائف والمسؤوليات والتباين في مقاعد التمثيل التشريعي على مستوى برلمان الإقليم والبرلمان الفدرالي ومنصب رئيس الجمهورية.
وأحد العناوين الأوضح في اشتداد الخلاف يدور حول التحكم في الموارد النفطية المحلية أو الأخرى ذات الصلة بالحكومة المركزية في بغداد، وما إذا كان «الديمقراطي» هو المستأثر بها على حساب «الاتحاد»، وكذلك إصرار الحزب الثاني على أن الحزب الأول يفرض حصاراً خانقاً على السليمانية يشمل الاقتصاد والسياسة والمنافذ الحدودية وعائدات الجمارك، ويهدد بمزيد من الإجراءات التي ترقى إلى صيغة «حرب داخل الإقليم».
ومن الواضح أن المواطن الكردي في الإقليم كان على الدوام هو الضحية الأولى لخلافات هذين الحزبين المتحكمين والحاكمين فعلياً، خاصة إذا بلغ النزاع بينهما مرحلة المواجهة المسلحة كما حدث في الماضي، أو توقف كما يجري اليوم عند امتناع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان عن حضور جلسات مجلس الوزراء في الإقليم بما تنطوي عليه المقاطعة من تعطيل مصالح المواطنين، أو اتخذ صفة إضعاف القضاء بذريعة شبهات التدخل من الجانبين كما في قضية اغتيال العقيد هاوكار الجاف في قلب مدينة أربيل، وتبادل الاتهامات حول تورّط هذا الطرف أو ذاك في الملف.
عاقبة ثانية وراء تصاعد الخلافات تتمثل في المكاسب التي يجنيها حزب العمال الكردستاني لجهة الإمعان أكثر في تغذية التشدد وتنظيم العمليات الإرهابية من داخل الإقليم أو عبر جبال قنديل، فلا تسفر هذه الحال عن استفزاز تركيا وتكبيد المدن والبلدات والقرى الكردية في شمال العراق مزيداً من الخسائر البشرية والمادية فقط، وإنما تسهم أيضاً في إضعاف سلطات الإقليم السياسية والاقتصادية والإدارية أكثر فأكثر.
وتبقى عاقبة ثالثة هي الأخطر على وجود الإقليم في ذاته، وتتمثل في شبح تكريس انقسام فعلي على الأرض يمكن أن يبادر إليه أحد الحزبين، فيسفر عن تآكل تدريجي لسلسلة مكاسب الحكم الذاتي التي تحققت للأكراد تباعاً منذ عام 1970 وبعد 1991 على نحو أوضح دستورياً وإدارياً، وتهدد باندلاع أكثر من صيغة واحدة لحروب تدمير ذاتي، سوف تتسع منعكساتها لتشمل أحوال جميع الأكراد في سائر مناطق العراق.
القدس العربي