عدن – شهدت مواقف الحكومة اليمنية والتحالف العربي في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت مساء الاثنين تصاعدا في حدة الخطاب السياسي الموجه ضد جماعة الحوثي، بالتزامن مع مؤشرات تتحدث عن إحراز الوساطة العمانية اختراقا مهما على مستوى تجديد الهدنة.
واتهم مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله السعدي الحوثيين بالإصرار على “رفض خيار السلام والدفع نحو إشعال فتيل العنف والعودة إلى مربع الصراع من خلال تصعيدهم الإرهابي الذي يستهدف المدنيين والنازحين ومقدرات أبناء الشعب اليمني”.
وأشار السعدي إلى أن “هذا التصعيد يأتي بالرغم من مواصلة الحكومة اليمنية بتوجيه من مجلس القيادة الرئاسي إبداء المرونة المطلقة للتخفيف من المعاناة الإنسانية من خلال استمرار تسيير الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، وتمكين سفن الوقود من الوصول إلى ميناء الحديدة، في وقت رفضت فيه الميليشيات الحوثية تجديد وتوسيع الهدنة”، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية.
واتهم مندوب السعودية لدى مجلس الأمن عبدالعزيز الواصل جماعة الحوثي برفض تمديد الهدنة لمطامع وأسباب سياسية فئوية انتهازية، قائلا “نضع القيادات الحوثية أمام فرصة جديدة لتغليب المصلحة اليمنية وإلقاء السلاح والقبول بحلٍ سلمي”.
وشدد على أن “تصنيف الميليشيات الحوثية جماعة إرهابية بات أمرا ملحا وضرورة”، فيما طالب مندوب الإمارات مجلس الأمن باتخاذ موقف أكثر صرامة لثني الحوثيين عن التصعيد وإجبارهم على إنهاء الحرب، مؤكدا على أن أي “أي اعتداء حوثي على دول الجوار سيُقابل بردٍّ حازم من التحالف”.
واعتبر مراقبون أن التصريحات الضاغطة على جماعة الحوثي في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن اختراق في مسار الأزمة اليمنية مؤشر على انعدام الثقة في جدية التزام الجماعة الموالية لإيران بأي تعهدات نتيجة تاريخ طويل من الانقلاب على الاتفاقات، إما بسبب ازدواج القرار داخل الجماعة أو تأثير طهران.
وقدم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إحاطته لمجلس الأمن من صنعاء التي وصل إليها الاثنين، بهدف الدفع بجهود الوساطة العمانية وإنضاج بنود الاتفاق الأولي الذي سيتم بموجبه تجديد الهدنة رسميا ووضع الإطار الزمني لتنفيذ بنود الاتفاق في الشقين الإنساني والاقتصادي، إلى جانب تبادل الأسرى ومناقشة الضمانات الأمنية ومحددات الحوار السياسي بين الحكومة والحوثيين.
ولم تحمل إحاطة المبعوث الأممي أي مؤشرات على اتفاق ناجز قد يتم الكشف عنه خلال الأيام القادمة، غير أن إحاطته لم تخل من تفاؤل غاب عن إحاطاته السابقة.
واعتبر رئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى أن جماعة الحوثي نجحت باستدراج غروندبرغ لتلميع صورتها “فبعد أن بدت أمام المجتمع الدولي بموقف المتعنت لرفضها تمديد الهدنة وتاليا بقصفها بالمسيرات الموانئ النفطية، أعطى ظهور المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن من صنعاء انطباعا مغايرا للموقف الرسمي للجماعة”.
وأشار مصطفى في تصريحات لـ”العرب” إلى أن جماعة الحوثي غيرت تكتيكها في التعاطي مع المبعوث الأممي، فبعد أن كانت تمارس الضغوط والرفض لمقترحاته ومن سبقوه وتجني تنازلات لصالحها جراء لجوء الجهود الأممية للضغط على الشرعية، تلجأ الجماعة اليوم إلى تكتيك جديد، ويبدو ذلك بسبب التغيرات السياسية التي حدثت في مؤسسة الرئاسة في السلطة الشرعية العام الماضي.
وأضاف “أيا يكن التقدم الذي كان يحتاجه غروندبرغ ليظهر به قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن لكنه سيكون في المحصلة إنجازا ناقصا في غياب ضمانات حقيقية لتنفيذ الحوثيين التزاماتهم تجاه أي اتفاق سواء أكان يتعلق بتمديد الهدنة أو الذهاب إلى مشاورات سلام شامل”.
إبداء الحوثيين موقفاً متقدماً من الحوارات الأخيرة لا يعكس إلا حالة الرضا الناتجة عن ضمانات بتلبية مطالبهم المتطرفة
ولفت مصطفى إلى أنه في حال القبول بأي تفاهمات مع جماعة الحوثي دون مناقشة الضمانات الأكيدة سيتعين الاستعداد لحملة ابتزاز وضغط من قبلها لتنفيذ ما تراه في صالحها من أي اتفاق وتستمر بتسويفها في التنفيذ للحصول على مكاسب سياسية وعسكرية ومالية أكثر إذا ما قرر غروندبرغ الانتقال إلى مرحلة تالية من جهود وظيفته، وهو ما قد يعيد فرص التسوية برمتها إلى نقطة حرجة أخطر مما كانت عليه برفض الجماعة تمديد الهدنة الأشهر الماضية.
وفي مقابل تصاعد نبرة الخطاب من قبل الحكومة الشرعية والتحالف العربي، واصل الحوثيون على المستوى الرسمي سياسة تبادل الأدوار بين تصريحات تلوح بالعودة إلى التصعيد العسكري، وأخرى موجهة لأنصار الجماعة تسعى لإظهار قدرتها على إملاء شروطها كطرف خرج منتصرا من الحرب.
وقال القيادي محمد علي الحوثي إن جماعته في المرحلة الأخيرة من الحرب بفضل ما وصفه “السلاح الرادع الذي حصلت عليه”، مشيرا إلى أنه إذا لم تسلم الحكومة الشرعية الرواتب فإن جماعته “قد تدخل في معارك جديدة وتتجه إلى حرب وتصعيد”، فيما نقلت مصادر إعلامية حوثية عن مهدي المشاط رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” للجماعة تأكيده على أن المشاورات التي أجراها مع الوفد العماني “حملت أفكارا إيجابية تتعلق بالملف الإنساني وفي المقدمة صرف الرواتب لكافة موظفي الدولة من عائدات النفط والغاز والفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة وفتح الطرقات وتبادل الأسرى”.
ويشير مراقبون إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في انتزاع أي موافقات من الحوثيين لاستئناف الهدنة ولكن في طريقة تنفيذ أي اتفاق على الأرض في ظل انعدام حالة الثقة وغياب الضمانات الكافية ورفض قطاع شعبي وسياسي عريض في معسكر الشرعية لتقديم المزيد من التنازلات غير المستحقة للحوثيين وخصوصا في الجغرافيا السياسية جنوب اليمن، حيث تعارض قطاعات شعبية وسياسية كبيرة فكرة تقاسم إيرادات النفط والغاز مع الحوثيين.
إحاطة المبعوث الأممي لم تحمل أي مؤشرات على اتفاق ناجز قد يتم الكشف عنه خلال الأيام القادمة
وقال مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن يعقوب السفياني إن المشاورات والمفاوضات الراهنة تتم في سياقات مختلفة ومباشرة مع الحوثيين بوساطة عمانية في ظل غياب للمعلومات حول أطراف الحوار.
ولفت السفياني في تصريحات لـ”العرب” إلى أن خطاب غروندبرغ من صنعاء أمام مجلس الأمن الدولي أشار إلى تطلعات تتجاوز الهدنة السابقة مثل النقاش حول قضايا السيادة والحوار اليمني – اليمني، وهو ما يدل على رغبة إقليمية بتسوية مع الحوثيين على حساب المعسكر المناهض لهم.
وتابع “قد يكون هناك اتفاق من أي نوع خلال الأيام القادمة في ظل المشاورات وجهود الوساطة التي تقودها سلطنة عمان لكن هذا الاتفاق سيكون بعيداً جداً عن السلام أو الحل الشامل للأزمة في اليمن وقد يدفع بتفجير أزمات جديدة في قلب الأزمة الراهنة خصوصا إذا اشتمل على منح الحوثيين حصة من ثروات جنوب اليمن”.
واعتبر السفياني أن إبداء الحوثيين موقفاً متقدماً من الحوارات الأخيرة لا يعكس إلا حالة الرضا الناتجة عن ضمانات بتلبية مطالبهم التي سبق ووصفها مجلس الأمن الدولي وآخرون من بينهم المبعوث الأميركي إلى اليمن بالمتطرفة والقصوى.
العرب