العراق العربي كان الأكثر حضورا في خليجي 25

العراق العربي كان الأكثر حضورا في خليجي 25

كانت النسخة الخامسة والعشرون من بطولة كأس الخليج استثنائية بامتياز للعراقيين ليس فقط لتمكنهم من الفوز بهذه البطولة، بل أيضا ومن كسر الصورة النمطية عن وقوع العراق أسيرا أبديا للتأثير الإيراني، فقد أظهر العراقيون من خلال هذا الحدث الرياضي اعتزازهم بعمقهم العربي، وهو ما عاينه عن قرب الزوار الخليجيون الذين تدفقوا على البصرة خلال الأسبوعين الماضيين.

بغداد – لم تكن بطولة كأس الخليج لكرة القدم “خليجي 25” التي اختتمت فعالياتها مساء الخميس في مدينة البصرة جنوبي العراق مجرد حدث رياضي عابر، بل حملت دلالات ومضامين سياسية وشعبية عميقة، تعكس توق العراقيين للانصهار مجددا في محيطهم العربي، والعكس صحيح.

ووفق متابعين، فقد كانت النسخة المنتهية لخليجي 25 استثنائية بامتياز ليس فقط لحدة المنافسة بين المنتخبات الخليجية المشاركة، بل وأيضا لما أظهره العراقيون من حفاوة استقبال وحسن ضيافة تجاه الوفود والزوار الخليجيين الذين تدفقوا على مدينة البصرة لحضور فعاليات البطولة التي انتهت بفوز المنتخب العراقي على نظيره العماني.

وشكلت الحفاوة الشعبية مفاجأة سارة بالنسبة إلى الزوار الخليجيين الذين أشادوا بالترحاب الذي لقوه في العراق، وقال أحد المشجعين الإماراتيين “كنا نظن أن مواطني الخليج غير مرحب بهم بسبب النفوذ الإيراني، لكننا تفاجأنا بواقع مختلف”.

وتوافد أكثر من خمسين ألف زائر من دول الخليج إلى العراق خلال الأسبوعين الماضيين، حيث خففت السلطات من قيود العبور عبر الحدود ومنحت تأشيرات الدخول مجانا، لتستقبلهم الجموع العراقية برايات ولافتات ترحب بهم لعل أكثرها تعبيرا “عين غطا وعين فراش”. وقد فاق عدد الزوار الخليجيين قدرة فنادق المحافظة، ليقوم مواطنو البصرة بفتح منازلهم لاستقبال الضيوف الذين غمرتهم مظاهر الكرم.

وقال المحلل العراقي فاروق يوسف لـ”العرب” “العراقيون في حقيقة مشاعرهم يرغبون أن تكون عودتهم إلى محيطهم العربي من خلال عراق سليم ومُعافى من أمراض الاحتلالين الأميركي والإيراني”. وأضاف يوسف أن “العراقيين يرغبون في كسر جدار العزلة عن محيطهم العربي وهو جدار نفسي شُيد في اللحظة التي دخلت فيها الدبابات العراقية الأراضي الكويتية منتصف عام 1990. وقد ازداد الجدار صلابة بعد الغزو الأميركي وعملت إيران على تكريسه باعتباره واقعا عن طريق عملائها”.

وكان العراق ممنوعا من المشاركة في بطولة الخليج منذ أن قام الرئيس الراحل صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990، ولم يعد إلى المنافسة إلا في العام 2004، ومنذ ذلك الوقت، كان العراق يوصف بأنه غير آمن لاستضافة البطولات الرياضية.

ويقول أحد المشجعين العراقيين إن أحد الموانع كانت الصورة السائدة لدى المجتمعات الخليجية بأنه غير مرغوب فيهم في العراق، في ظل سطوة إيران والميليشيات الموالية لها على الدولة، لكن خليجي 25 نجح في كسر هذه الصورة المغلوطة، وأثبت العراقيون أنهم يعتزون بانتمائهم العربي، وأن بلدهم مفتوح لزيارة أشقائهم الخليجيين.

وأشاد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مساء الخميس بدور الجماهير العراقية والفرق الخليجية المشاركة في بطولة كأس الخليج، مثمنا روح التعاون والبذل والعطاء من أجل إنجاح هذه البطولة غير المسبوقة من حيث حجم الحضور الجماهيري للمباريات.

وقال السوداني في بيان صحفي وزع بعد فوز المنتخب العراقي بالبطولة “أتوجّه بوافر الشُكر وعظيم الامتنان للفرق المشاركة في بطولة خليجي 25 لكُرة القدم، التي استضافتها محافظة البصرة بترحابِ أهلها المتميز ولكل ضيف نزل بالعراق من دول الخليج وكلّ فريق رياضي شرّفنا بالمشاركة، وكلّ طاقم إعلامي أو فني أو تنظيمي حلّ ببلادنا”.

وخاطب السوداني الوفود الخليجية مطالبا إياهم بتكرار زيارتهم للعراق قائلا “كرّروها فلن تجدوا سوى الأبواب المشرعة والقلوب المحِبّة”. وأشاد بالشعب العراقي قائلا “كلّ عراقي ساهم في تمثيل بلده بأجمل صورة، ومثّل العراق بالالتزام والتعاون، وهو بذلك يكون قد عكس روح الترحاب ونكران الذات، وقد غدا اليوم قائدا في هذا المجتمع بخُطى واثقة إلى المستقبل”.

وقال “لقد ساهمت الجماهير العراقية بتأكيد مكانة العراق، ورفعت اسمه مشعلا بين الأشقاء والأصدقاء، وكتبت تجربة مشرّفة هي بعضٌ من استحقاق أبناء الرافدين وخصالهم”. وكان من الواضح أن التوق الذي أظهره العراقيون للعودة مجددا والذوبان في محيطه العربي قد أثار استفزاز إيران وهو ما ظهر في ردود فعلها منذ افتتاح التظاهرة الرياضية حينما نددت بتسمية “الخليج العربي”، وذهبت حد استدعاء السفير العراقي لديها للاحتجاج.

وأمام حجم الحفاوة وما أظهره العراقيون من اعتزاز بعمقهم العربي، لم يكن لدى القوى والميليشيات الموالية لإيران سوى مسايرة هذا المد، من خلال تفادي الإصداح بأي مواقف استفزازية، وتعاطت تلك القوى مع الضجة الإيرانية بشأن تسمية الخليج العربي، ببراغماتية حينما أعلنت أنها تنتصر للقراءة التاريخية للتسمية أي لا خليج عربي أو فارسي بل هو “خليج البصرة”.

ويرى مراقبون أن خليجي 25 شكل فرصة مهمة لاستعادة مكانة العراق ضمن المنظومة العربية، ومنح الخليجيين قدرة للاطلاع عن قرب على الواقع العراقي الفخور بعروبته، بخلاف ما تسعى بعض القوى إلى غرسه في ذهنية المشاهد العربي من صورة نمطية هي في واقع الأمر غير صحيحة عن حجم التأثير الإيراني.

وقال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عقب فوز بلاده باللقب، إن بطولة كأس الخليج لكرة القدم “خليجي 25” أرجعت العراق إلى الصف العربي. وأضاف الصدر في تغريدة على موقعه على تويتر “نشكر كل المنتخبات العربية التي شاركتنا في هذه الدورة التي أرجعت العراق إلى الصف العربي بثوب جديد ملؤه الحب والسلام”. ومضى قائلا “أهلا بكم يا دول الخليج العربي في عراق العروبة والإباء”.

◙ خليجي 25 شكل فرصة مهمة لاستعادة مكانة العراق ضمن المنظومة العربية ومنح الخليجيين قدرة للاطلاع على الواقع العراقي الفخور بعروبته

وهنّأ قادة دول وحكومات عربية، إضافة إلى بعثات دبلوماسية أجنبية وعربية، الجمعة، العراق وشعبه، بالفوز ببطولة كأس الخليج العربي. وبعث أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح برقيتي تهنئة إلى الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد، وإلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أعرب فيهما عن خالص تهانيه بفوز “أسود الرافدين”.

وأشاد الأمير نواف بـ”الروح العالية وبالتنافس الأخوي اللذين تحلت بهما كافة المنتخبات المشاركة في هذه البطولة وبمستوى الأداء الفني الرفيع الذي أداه المنتخب العراقي والذي أهله للفوز بكأس البطولة، وكذلك بالاستعدادات والإمكانيات الكبيرة التي وفرها العراق لاحتضان دورة خليجي 25″.

وثمّن التسهيلات التي وفرها العراق للمنتخبات المشاركة كافة لاحتضان هذه الدورة وما تميزت به من تنظيم رياضي وإداري وإعلامي رفيع المستوى، عكس الوجه الحضاري المرموق للعراق.

وكتب رئيس الوزراء الإماراتي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في تغريدة له على تويتر “فرح العراق اليوم بعد طول صبر وانتظار، وفرحت معه الشعوب والقلوب، كلنا اليوم عراقيون في الفرحة، وكلنا اليوم عراقيون في الانتصار”. وأضاف “مبروك كأس الخليج العربي يا أهلنا وأحبابنا، وشكرا أهل البصرة وأهل العراق على حسن التنظيم والاستضافة”.

العرب