استفاد حلفاء الولايات المتحدة لعقود من مظلة الحماية العسكرية الأمريكية التي بسطتها واشنطن لدعم الدول التي تستشعر الخطر على أمنها من قبل أطراف قد تكون معادية لأمريكا نفسها، لكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟
يقول الدكتور ليون هدار، الذي قام بتدريس العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية وكان زميلا باحثا في معهد كاتو، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إن أمورا كثيرة كُتبت ونوقشت حول مشكلة “الانتفاع المجاني” بشكل عام، وفي السياسة الخارجية بشكل خاص. وخلال الحرب الباردة وما بعدها، تعرض حلفاء الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ لانتقادات في واشنطن لاعتمادهم عليها لإنفاق ثرواتها الوطنية من حيث زيادة النفقات العسكرية لتزويدهم بالأمن العالمي.
إن دفع مبالغ أقل للدفاع، بفضل الإعانات الأمريكية، يسمح لهؤلاء المنتفعين بالمجان بإنفاق المزيد على البرامج الاجتماعية والاقتصادية بينما يجبر التشديد المالي الأمريكيين على خفض الإنفاق على التعليم والصحة.
وعلاوة على ذلك، فإن موقف الولايات المتحدة المهيمن في الشرق الأوسط، والذي تم الحفاظ عليه من خلال التكاليف العسكرية والمالية الضخمة، سمح لحلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا الذين يعتمدون على واردات الطاقة بحرية الوصول إلى موارد النفط في الخليج.
وهكذا، أصبح الضغط على أعضاء الناتو لزيادة ميزانياتهم الدفاعية ومساهماتهم العسكرية والاقتصادية في الحلف طقسا من نوع ما في واشنطن، يمارسه المسؤولون والمشرعون الجمهوريون والديمقراطيون.
وليس هناك شك في أن تكاليف الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير بدأت تتحدى إجماع واشنطن حول دور الولايات المتحدة في العالم. ومن المفترض أن أمريكا مستعدة لمساعدة حلفائها باعتبارها الموازن العالمي الأخير، وبالتالي، ضمان وصولهم على سبيل المثال إلى موارد الطاقة في الخليج، بينما يدفع الحلفاء القليل جدا في المقابل، وحتى يحاولون إرغام الولايات المتحدة على تدخلات عسكرية أكثر تكلفة في الشرق الأوسط، كما فعلت فرنسا في حالة ليبيا.
ولكن بعد ذلك جاءت أحداث مثل غزو روسيا لأوكرانياوالتهديدات الصينية المتزايدة لتايوان والتي وفقا للحكمة التقليدية ربما أقنعت أخيرا حلفاء الولايات المتحدة بأن الانتفاع المجاني لم يعد خيارا بعد الآن وأنهم بحاجة إلى البدء في لعب دور أكثر نشاطا في حماية المصالح الغربية ضد تهديد المخربين العالميين الأقوياء. وعليها الآن أن تسهم في إنتاج تلك المنفعة العامة الدولية، لأن الولايات المتحدة وحدها لن تستمر في توفيرها مجانا.
وإذا كان هناك أي شيء، فإن الرسالة القادمة من واشنطن هذه الأيام هي أنه إذا أراد الحلفاء أن يكونوا قادرين على الاستمرار في الاعتماد على القيادة العسكرية الأمريكية، فهم الذين سيتعين عليهم قبول الشروط الاقتصادية التي وضعها الأمريكيون: إنهاء صفقات الطاقة مع روسيا، وفرض عقوبات عليها، والانضمام إلى الولايات المتحدة في حرب اقتصادية تكنولوجية طويلة ومكلفة مع الصينيين.
وبالنظر إلى هذا المنظور، وبالنظر إلى خلفية التهديدات التي تشكلها روسيا والصين، فإن القرارات التي اتخذتها ألمانيا واليابان ودول أخرى لزيادة مساهماتها الدفاعية تنبع من الاعتراف بأن هذا هو الحد الأدنى الذي يتعين عليهم القيام به لجعل أمريكا تواصل التعهد برؤية واشنطن مدمرة من أجل حماية برلين وطوكيو.
وهذا يعني أنه حتى لو زادت ألمانيا واليابان من إنفاقهما العسكري لمستويات مرتفعة للغاية، فإنهما ستظلان منتفعتين مجانا من القوة الأمريكية ما لم تقررا امتلاك أسلحة نووية من أجل الدفاع عن نفسيهما لأنهما لا تستطيعان الاعتماد على الدعم الأمريكي بعد الآن.
ويمكن القول إنه من مصلحة أمريكا منع اليابان أو ألمانيا أو كوريا الجنوبية أو تايوان أو المملكة العربية السعودية، أو أوكرانيا، من تطوير قوة عسكرية نووية مستقلة لأن ذلك من المفترض أن يجعل العالم مكانا أكثر خطورة. ومع ذلك، هذا أمر مثير للسخرية. يجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة وروسيا هما اللتان شنتا سلسلة من الحروب في العقود الأخيرة التي جعلت العالم أكثر خطورة. وبالعودة إلى الوراء، لو كان العراق تحت حكم صدام حسين وأوكرانيا يمتلكان أسلحة نووية، فربما كان العالم ليصبح أقل خطورة اليوم.
(د ب أ)