تحظى “قمة الأمم المتحدة للمناخ” التي تبدأ أعمالها، اليوم، في العاصمة الفرنسية باريس، بزخم إضافيّ يشد الأنظار إليها أكثر فأكثر؛ فمن بين نحو 150 من زعماء العالم من المزمع حضورهم القمة، تتوجه الأنظار بترقب نحو قمة مصغرة محتملة تجمع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، بناء على طلب الأخير لقاء الأول “وجهاً لوجه” هناك؛ وذلك لبحث تبعات إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية اخترقت أجواءها الأسبوع الماضي.
– مناخياً.. قمة تاريخية
ويُعوّل على قمة المناخ العالمية التي تستضيفها باريس، اليوم الاثنين، بمشاركة رؤساء دول وحكومات 147 بلداً حول العالم مسؤولة عن نحو 90% من انبعاث الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، لـ”التصدي لظاهرة التغير المناخي”، من خلال الحد من اعتماد الاقتصاد العالمي على الوقود الأحفوري، عبر تعهد الزعماء بخفض إنتاج بلادهم من الكربون.
ويرى معظم العلماء أن الإخفاق في الاتفاق على إجراءات قوية في باريس سيجعل العالم يشهد متوسط درجات حرارة مرتفعة بشكل لم يحدث من قبل، وتجلب معها عواصف أكثر فتكاً وموجات جفاف متكررة بشكل أكثر، وارتفاع منسوب مياه البحر بسبب ذوبان القمم الجليدية القطبية.
ومن المنتظر أن يصل المدينة، اليوم وغداً، قرابة 40 ألف شخص، وسط إجراءات أمنية مشددة، تأتي عقب الهجمات الدامية التي شهدتها في 13 من الشهر الجاري، إذ خصصت وزارة الداخلية ثمانية آلاف شرطي وعنصر أمن؛ من أجل حماية الحدود، فضلاً عن نشر 2800 عنصر أمن، في منطقة “بورجيه” المزمع أن تستضيف القمة.
وفي إطار تمديد مدة حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر، أُلغيت العديد من الفعاليات التي كان من المخطط إقامتها في إطار القمة، لأسباب أمنية.
ومن المنتظر أن يتم التوقيع، خلال قمة باريس، على تعهدات جديدة سارية المفعول لعشر سنوات على الأقل؛ بسبب انتهاء مدة الاتفاقية المتعلقة بانبعاث الغازات الدفيئة عام 2020.
ووقعت البلدان المتقدمة، لأول مرة، اتفاقية مشتركة للحد من انبعاث غازات الدفيئة في مؤتمر كوبنهاغن للتغير المناخي الذي عقد عام 2009 في العاصمة الدنماركية.
ويمكن أن يشكل الدعم المالي مشكلة أساسية، قد تظهر في أي اتفاق سيخرج من مؤتمر باريس، إذ يجب على البلدان الغنية أن تقدم تعهدات ملموسة، بخصوص توفير التقنيات التي تحتاجها البلدان الفقيرة من أجل الحد من انبعاث الغازات الدفيئة.
وكانت البلدان الغنية تعهدت في مؤتمر “كوبنهاغن” بتقديم دعم مالي يقدر بـ30 مليار دولار أمريكي؛ من أجل استخدام ما يسمى بـ”التكنولوجيات الخضراء”، في البلدان الفقيرة.
وتنتهي التعهدات المذكورة عام 2020، لذلك يجب على تلك البلدان أن توضح “مسألة استمرار تلك التعهدات بعد ذلك التاريخ من عدمه” في قمة باريس.
وبعد عقود من المفاوضات الشاقة التي اتسمت بإخفاق قمة كوبنهاغن قبل ست سنوات، من شبه المؤكد التوصل لشكل ما لاتفاق تاريخي بحلول منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
– أردوغان وبوتين
وعلى هامش القمة المناخية التاريخية، يُنتظر أن يعقد الرئيسان أردوغان وبوتين لقاء خاصاً لمناقشة مسألة إسقاط تركيا لطائرة روسية حربية، رغم أنّ تلك القمة الثنائية لم تتأكد بعد، والتي تسبق جولة خليجية يبدأها أردوغان بادئاً بقطر غداً الثلاثاء.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعرب الجمعة، عن رغبته في لقاء نظيره الروسي “وجهاً لوجه” في قمة المناخ في باريس، وقال: “أرغب في لقاء بوتين وجهاً لوجه لإجراء محادثات في باريس”، معتبراً أن الانتقادات التي وجهها الكرملين بعد إسقاط الطائرة العسكرية الروسية “غير مقبولة”.
وأعلنت مصادر في الرئاسة التركية، أن من المحتمل عقد لقاء ثنائي بين الرئيسين التركي والروسي، على هامش قمة التغير المناخي، التي ستعقد في باريس نهاية الشهر الجاري، مشيرة إلى أنه لا يوجد حالياً أي اتفاق على اللقاء في ساعة محددة، وفق ما نقلت الأناضول.
والثلاثاء الماضي، يوم إسقاط الطائرة، قالت مصادر في الرئاسة التركية، إن أردوغان طلب الحديث مع بوتين هاتفياً، إلا أنه لم يتلقَّ رداً من الكرملين على طلبه، نتيجة رفض الجانب التركي الاعتذار عن إسقاط الطائرة.
– تهدئة
والسبت، وعلى خلفية الأزمة المتصاعدة، وقّع بوتين مرسوماً يتضمن سلسلة إجراءات اقتصادية ضد تركيا، شملت منع المؤسسات والمنشآت التركية من ممارسة نشاطات في روسيا، ووقف استيراد بعض السلع ذات المنشأ التركي، ومنع الشركات العاملة في البلاد كافة من توظيف مواطنين أتراك، كما تضمنت تعليق السفر من دون تأشيرة بين روسيا وتركيا، ومنع الشركات السياحية من تنظيم رحلات إلى تركيا، ووقف رحلات الطائرات المستأجرة من قبل الشركات (شارتر) بين البلدين، وتشديد الرقابة على شركات الشحن التركية الناشطة في روسيا، والناقلات البحرية التركية في البحر الأسود وبحر آزوف، وغيرها.
وحاولت تركيا، على لسان زعيمها أردوغان ورئيس الحكومة، أحمد داود أوغلو، تخفيف حدة التصريحات بغية التهدئة، وهو الأمر الذي يُتوقع أن ينعكس أيضاً على اللقاء المحتمل، على أن القمة المرتقبة قد تخرج بمفاجآت.
ويصل حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا إلى أكثر من أربعين مليار دولار، وكان من المزمع رفعه إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، وتشكل صادرات النفط والغاز الروسي إلى تركيا الجزء الأكبر من حجم هذه التجارة.
وهناك أكثر من أربعة ملايين سائح روسي يزورون تركيا بقصد السياحة كل عام. كما أن روسيا تقوم بتشييد المفاعل النووي الأول في تركيا، وهو مشروع تبلغ كلفته 20 مليار دولار، ومن المستبعد أن تفرط روسيا بكل هذه المشاريع والاستثمارات في ظل خوضها حربين في سوريا وأوكرانيا، ولا سيما أنها واقعة تحت ضغط عقوبات غربية تزيد من عزلتها.
يذكر أن قمة المناخ تعقد في ظروف استثنائية، ووسط تدابير أمنية مشددة بعد هجمات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، التي هزت العاصمة الفرنسية، وخلفت 130 قتيلاً، ونحو 350 جريحاً.
وأخذت فرنسا وضعية التحصين؛ إذ اتخذت الحكومة إجراءات أمنية واسعة بنشر 120 ألفاً من قوات الشرطة والدرك الوطني على كل الأراضي الفرنسية طوال فترة انعقاد المؤتمر.
الخليج أونلاين