تأجيل زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان إلى روسيا جاء بطلب منه، بحجة ازدحام المواعيد وانشغاله بالجولة الشرق أوسطية إلى لبنان وسوريا وتركيا. إلا أن الجانب الروسي الذي كان يتنظر هذه الزيارة إلى حد أن إعلانها جاء من قبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عاد وأكد أن التأجيل كان من باب إعطاء الفرصة لإنجاح زيارة نظيره الإيراني إلى العاصمة التركية.
وإذا ما كانت جولة عبداللهيان إلى دمشق وأنقرة قد جاءت تحت وقع الصدمة الإيرانية التي أصابتها بعد الكشف عن مسار تفاوضي ثلاثي روسي – تركي – سوري على مستوى وزارء الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية لبحث أزمة الشمال السوري بكل تشعباتها المتعلقة بالوضع الكردي وفصائل المعارضة في محافظة إدلب، فقد كان من الطبيعي أن تستكمل جولة الوزير الإيراني بإجراء مفاوضات مع الجانب الروسي، بخاصة وأن موسكو وأنقرة ذهبتا بعيداً في استثناء طهران واستبعادها من هذا المسار الجديد بحيث يزعزع موقعها في معادلة مسار أستانة، وقد يؤدي إلى إخراجها أو محاصرتها على الساحة السورية.
حراك عبداللهيان الإقليمي والهادف إلى محاصرة تداعيات لقاء موسكو الثلاثي حول سوريا، ترافق وتزامن مع تطورات أساسية ذات طابع استراتيجي، قد تؤثر بشكل واضح في علاقات إيران مع حلفائها وخصومها على حد سواء. فالزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى السعودية والقمم الثلاث التي عقدها في الرياض وما أسفرت عنها من اتفاقات وتفاهمات اقتصادية إضافة إلى المواقف السياسية، استنفرت طهران التي تنظر إلى علاقتها مع بكين كجزء محوري في رؤيتها لتعميق تحالفاتها الشرقية، وأن التعاون مع بكين يأخذ طابعاً استراتيجياً متبادلاً في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
الشعور بالخسارة أو الاقتراب منها، لم يقتصر على الموقف من الزيارة الصينية إلى السعودية، بل ترافق مع عدم اكتراث صيني باسترضاء طهران سياسياً، أو حتى باتخاذ خطوات لتفعيل الاتفاق الاقتصادي معها، خصوصاً وأن التوقعات الإيرانية كانت تنتظر من بكين اتخاذ خطوات عملية لوضع الاتفاق الاستراتيجي للتعاون الاقتصادي لمدة 25 سنة موضع التنفيذ، وإخراجها من حال التعليق الخاضع لموقف بكين المتردد. حتى جاءت الخطوة الروسية المتعلق بالأزمة السورية، إذ دفع الموقف الإيراني المتشدد منها، الجانب الروسي لتنشيط دبلوماسيته باتجاه طهران في محاولة لإعادة طمأنتها والتأكيد على توسيع مجالات التعاون بينهما، بحيث تنتقل العلاقة بينهما من مستوى التعاون الاستراتيجي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
الزيارة التي قام بها مساعد الرئيس الروسي إيغور ليفيتين، وبعدها بأيام زيارة رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين إلى إيران، وإن أخذت طابعاً اقتصادياً معلناً، إلا أنها لم تستطع إخفاء أو حجب الهدف أو الأبعاد السياسية والأمنية والاستراتيجية في العلاقة بينهما، بخاصة وأن هذه الزيارات تزامنت مع تصعيد أوروبي غير مسبوق بعد أن صوت البرلمان الأوروبي على تصنيف مؤسسة الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، وأن العامل الأساس في القرار الأوروبي لا يعود فقط إلى الدور الذي تقوم به هذه المؤسسة والنفوذ الذي تمارسه في منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط، بل على خلفية تهديد الأمن والاستقرار الأوروبي نتيجة التعاون العسكري مع الجيش الروسي وتزويده بالطائرات المسيرة وما يقال عن صواريخ باليستية.
هذه التطورات، قد تساعد في قلب الموازين السياسية والاستراتيجية لدى النظام الإيراني، وقد تسهم في حسم خياراته بالذهاب بشكل واضح إلى تعميق تحالفه مع روسيا، بعد أن خسر آخر الجسور التي كانت تربطه مع الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي، التي شكلت رأس الحربة في التصعيد الأخير ضد طهران والحرس الثوري على خليفة الحرب الأوكرانية، واتهامه بممارسة القمع وانتهاك حقوق الإنسان في الأحداث الأخيرة التي شهدتها إيران إثر الحراك الشعبي الذي انفجر بعد مقتل الفتاة مهسا أميني.
انتقال الترويكا الأوروبية من موقع وسطي ومعتدل ومتمسك بجهود التوصل إلى حلول بين واشنطن وطهران لإعادة إحياء الاتفاق النووي، إلى موقع متشدد يعتمد سياسة العقوبات والحصار السياسي للنظام الإيراني، قد يسهم في تحويل الأزمة النووية والتفاوض حول الاتفاق إلى ورقة في يد الإدارة الأميركية، ويجعلها الطرف المتحكم بتفاصيل وحدود وطبيعة أية مفاوضات مستقبلية قد تجبر إيران على عقد اتفاق جديد يقوم على مبدأ الخطوة في مقابل الخطوة. بالتالي فإن الوصول إلى هذه النقطة قد يسرع من التقارب الإيراني – الروسي، ويدفع بهما نحو مزيد من التعاون.
والحاجة الإيرانية إلى موسكو لا تقل عن حاجة موسكو إلى طهران في هذه المرحلة، وستدفع طهران لغض النظر عن الأدوار السلبية التي لعبتها موسكو في عرقلة التوصل إلى اتفاق كان في متناول اليد حول النووي، وآخرها عشية الحرب على أوكرانيا، فضلاً عما حصل قبل أسابيع في الموضوع السوري. وذلك من أجل التعاون لمواجهة بوادر العزلة السياسية والدولية التي تمران بها وتعيشانها، التي قد تشكل عاملاً أساسياً في تعميق هذه العلاقة، وتدفع إلى توسيع التعاون بينهما لمواجهة العقوبات الاقتصادية والمخاطر الاستراتيجية التي يعانيانها.
اندبندت عربي