قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإحدى كبرى عملياته الدموية في الضفة الغربية منذ سنوات في مخيم جنين أمس الخميس، مما أسفر عن مجزرة استشهد فيها تسعة فلسطينيين، وجرح أكثر من 20 آخرين، كما استشهد شاب وأصيب آخران، بعد ذلك في مواجهات قرب رام الله.
اقتحام المخيم، حسب جيش الاحتلال، حصل «لإحباط خطط للجناح المحلّي لحركة الجهاد الإسلامي لتنفيذ هجوم وشيك» وأنهم «شاركوا في عمليات إرهابية واسعة النطاق» وقد «قتلوا في تبادل لإطلاق النار» وأن «عددا من مركبات الجيش تضررت» ولكن «لم يصب أي جندي إسرائيلي في الاشتباكات».
تشير أسماء الشهداء التي كشفت، إلى كذب جيش الاحتلال، فأحدهم، عز الدين صلاحات، كما أظهرت تغريدة لحساب «فدائيين» على موقع «تويتر» التابع لحركة «فتح» كان عضوا في «كتائب شهداء الأقصى» الذراع العسكري للحركة، كما تظهر صورة له أنه شرطيّ تابع لأجهزة الأمن الفلسطينية، يضاف إلى ذلك أن «كتائب القسام» وهي جناح «حماس» العسكري، أعلنت استشهاد أربعة من مقاوميها، كما أن بين الشهداء ماجدة عبيد (60 عاما) والتي اعترفت تل أبيب بالمسؤولية عن مقتلها، وقالت «إنها تحقق في الأمر» ويشير تجميع الوقائع إلى استشهاد ثلاثة من حركة «الجهاد» وتكشف تصريحات جيش الاحتلال أن اثنين منهم تم إعدامهما بدعوى عدم الاستجابة لأوامر جيش الاحتلال.
محافظ جنين، كمال أبو الرب، قال إن السكان عاشوا حالة حرب حقيقية، وأن «الجيش الإسرائيلي كان يطلق النار على كل شيء يتحرك» كما أكدت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، إن جيش الاحتلال أطلق الغاز المسيل للدموع على جناح الأطفال في مستشفى، مما تسبب في حالات اختناق لبعضهم، وقد أظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل نساء يحملن أطفالهن من غرف المشفى.
تكذّب هذه الوقائع، أولا، ادعاء الجيش الإسرائيلي أن اقتحامه المخيم كان لاستهداف عناصر من حركة «الجهاد الإسلامي» فحسب، بدليل قتله عنصرا تابعا للسلطة الفلسطينية، وامرأة مسنّة. إطلاق النار «على كل شيء يتحرك» وقصف جناح أطفال في مشفى بقنابل الغاز، من جهة أخرى، حدثان يؤكدان ما يعلمه كل الفلسطينيين، وهو أن جيش الاحتلال يستهدفهم جميعا، وأن الأمر يتعلّق بحرب على وجودهم.
تمثّل المجزرة صعودا في سهم مخطط بياني لهذه الحرب، والتي تمثّل، ما تسميّه وسائل الإعلام الإسرائيلية، «عملية الجيش» جزءا منها، وهي «عملية» أسفرت عن اعتقال أكثر من 2500 فلسطيني في مداهمات يومية ليلية، وخلّفت أكثر من 171 شهيدا فلسطينيا في عام 2022، و29 منذ مطلع هذا العام، كثير منهم مدنيون.
تشير التواريخ الآنفة إلى أن حيزا كبيرا من هذه «العملية» نفّذته حكومة بينيت – لبيد السابقة، وأن ارتفاع عدد الشهداء حاليا، هو البصمة التي تريد حكومة نتنياهو – بن غفير – سموتريتش، تركها، والتي من معالمها المقبلة تشكيل ميليشيا أكثر عنصرية وتطرّفا من الجيش، وتأتمر «وزير الأمن القومي الإسرائيلي» الوزير العنصري والمدان بجرائم، ايتمار بن غفير.
وجود ميليشيا موازية للجيش، هو التعبير العسكريّ عن الاتفاق السياسي على تشكيل حكومة نتنياهو، وكما تقوم جرّافات ومركّبات ومسيّرات الاحتلال عند هجماتها الإرهابية على المدن الفلسطينية، كما حصل أمس، فإن جيش بن غفير ـ سموتريتش، الموازي، سيقوم بشدّ الحكومة نحو تحقيق الضم وتعزيز التمييز العنصريّ، فيما يحاول نتنياهو موازنة اللعبة، عبر إحكام يده على القضاء الإسرائيلي، وتعزيز التطبيع مع الدول العربية.
تتجاهل هذه المعادلة البائسة وجود الشعب الفلسطيني وإرادته، وربما يعتقد جناح بن غفير ـ سموتريتش أنه قادر على احتواء الانفجار، كما قال بن غفير أمس، ولعلّه يستعجل لتشغيل آلة القتل والمجازر بكامل طاقتها، ظانّا أنه سيصبح أكثر قربا من تحقيق ضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين، ولكن ما لم يتحسّب له، ربما، أن الانفجار الذي يسعى إليه، سيفرط الحكومة، ويوقف التطبيع، وسيفتح الباب لديناميّات جديدة للنضال الفلسطيني.
القدس العربي