دبابات الغرب لا تغير إستراتيجياته لإطالة أمد الحرب في أوكرانيا

دبابات الغرب لا تغير إستراتيجياته لإطالة أمد الحرب في أوكرانيا

يرى محللون أن الافتراض القائل إن الدبابات القتالية الثقيلة التي تعهدت دول التحالف الغربي بتقديمها لأوكرانيا سوف تغير “قواعد اللعبة”، متسرع وغير مضمون النتائج، إن لم يكن غير صادق من الأساس.

وتبدو دبابات ليوبارد – 2 الألمانية الصنع الخيار الأكثر فاعلية، لأنها أخف من دبابات أبرامز – أم 1 الاميركية، وأعطالها أقل، ولوجستياتها أيسر، لاسيما وأن الدبابة الأميركية تستخدم وقود طائرات بينما الدبابة الألمانية تستخدم الديزل.

والعنصر الحاسم، من الناحية اللوجستية هو أن هناك 13 جيشا أوروبيا لديه مخزونات من الدبابة الألمانية يبلغ مجموعها نحو 2300 دبابة. وبينما تقول أوكرانيا إنها تحتاج للبدء بشن عمليات هجومية إلى 500 دبابة، فإن هذا العدد متاح.

أما العنصر غير المتاح فهو الوقت. فلكي تصل هذه الدبابات وتدخل أرض المعركة، فإنها بحاجة إلى ثلاثة أشهر على الأقل، من التدريبات وإعداد خطوط الإمداد الخاصة بها.

وككل دبابات أخرى، فان دبابات ليوبارد – 2 تحمل عددا محدودا من القذائف. وبالنظر إلى الطريقة التي يقاتل بها الأوكرانيون، باستخدام القصف المكثف، فإن هذه الدبابات لا تدخل أرض المعركة إلا وتكون خلفها عربات تحمل إمداداتها وتزودها بالوقود وباقي الذخائر.

إستراتيجية الأرض المحروقة

تتفوق الدبابة الألمانية على نظيرتها الروسية تي – 72 التي تشكل العمود الفقري لسلاح الدروع الروسي. وتشير بعض الاختبارات إلى أن ليوبارد – 2 تستطيع إصابة الهدف أثناء الحركة بنسبة 100 في المئة، بينما تحقق الدبابة الروسية إصابات بنسبة 55 في المئة.

وتقول روسيا إن الدبابات الغربية لن تشكل فارقا مهما، وإنها سوف “تحترق”، ما قد ينطوي على إشارة بإمكانية استخدام أسلحة غير تقليدية ضدها. كما تقول إنها تدمر 130 دبابة شهريا، إنما من مخزونات الدبابات الروسية المتوارثة من العهد السوفييتي لدى أوكرانيا.

ودخلت الدبابات الغربية أرض معركتين في أفغانستان والعراق، وحققت تفوقا. إلا أن هذا التفوق كان من دون منافس في أفغانستان، ومنافس تراجعت كفاءته في العراق لأن دباباته قاتلت من دون غطاء جوي.

15

ألف دبابة تمتلكها روسيا من طراز تي – 72 وتي – 90 المتطورة، كما تمتلك 27 ألف عربة مدرعة

ولا يوجد شك في أن الدبابات الغربية سوف تواجه خصما روسيا أكثر تمرسا، ويمتلك غطاء جويا فعالا، ويخوض معاركه بقدرة أوسع على القصف الصاروخي والمدفعي، وهو ما تجلى في كل المدن والبلدات التي نجحت روسيا باحتلالها عن طريق القصف المكثف، حتى أصبحت بعض هذه المدن محطمة تماما، ويكاد لا يوجد فيها جدار لم تتم إصابته.

وهذه هي، في الواقع، الإستراتيجية التي جربتها روسيا في سوريا والشيشان قبل أن تنقلها إلى أوكرانيا. وتسمح إستراتيجية الأرض المحروقة للقوات الروسية بتقليص الخسائر إلى أدنى حد ممكن. والعنصر البشري عامل حاسم بالنسبة إلى هذه القوات.

وخسرت روسيا المئات من الدبابات في بداية الحرب، وكان السبب يتعلق بسوء التقدير لما واجهته من مقاومة، ولأن الأسلحة الفردية المضادة للدبابات توفرت بسرعة، الأمر الذي أجبر القيادة العسكرية الروسية على إجراء إعادة نظر سياسية وميدانية.

وسياسيا، تراجعت موسكو عن خطط السيطرة على كامل أوكرانيا عن طريق تغيير النظام فيها. وميدانيا، قررت الانسحاب إلى إقليمي دونباس، لوغانسكودونيتسك، لأنها أقدر على الدفاع عنهما.

وانسحاب القوات الروسية من الشطر الغربي لإقليم خيرسون، حتى وإن بدا وكأنه خسارة، إلا أنه قال إن هذه القوات قررت أن تتخذ مواقع أكثر تحصينا. وهذا ما يُتوقع أن تفعله خلال الأشهر الثلاثة المقبلة قبل أن تدخل الدبابات الغربية أرض المعركة.

والتحصينات تشمل السيطرة على الأراضي المرتفعة في هذين الإقليمين، ما يجعل الدبابات، من أي طراز كان، ضحية للقصف من قبل أن تشكل فارقا حيويا على خطوط القتال المباشرة.

وهذا عامل غير منظور من جانب وسائل الإعلام الغربية التي تقدم صورة متفائلة للأثر الذي سوف تتركه دباباتها، وكأنها تقوم بحملة تسويق، لا علاقة لها بوقائع أرض المعركة.

إطالة أمد الحرب

تمتلك روسيا أكثر من 15 ألفا دبابة من طراز تي – 72 وتي – 90 المتطورة، كما تمتلك 27 ألف عربة مدرعة، ونحو 3700 منصة إطلاق صواريخ من مختلف الأنواع.

وتستطيع الدبابات الروسية، قياسا بنسبة إصابة الأهداف، أن تحقق بدبابتين ما تحققه دبابة غربية واحدة. وسرعان ما سوف يتضح أن الكثافة العددية يمكنها أن تعوض النقص التقني. وهو عامل آخر غير منظور، أو يتم وضعه جانبا لصالح ضغط إعلامي غربي يخفي جوانب مهمة من وضع الحرب على الأرض.

ومعركة الدبابات المنتظرة لن يمكنها أن تحقق نتائج إلا في إطار متكامل، وهو ما يزال ينقص القدرات الأوكرانية. وتزويد أوكرانيا بـ500 دبابة أو حتى ألف، لن يشكل فارقا ضخما بالفعل. ولكن ليس لأن لدى روسيا عدد أكبر من الدبابات في مقابله، وليس لأنها تستطيع أن تقصف إلى ما لا نهاية، بل لأن الإستراتيجية الغربية تقوم على أساس غير الأساس الذي يمكن أن تتحكم فيه الدبابات.

وهذه الإستراتيجية تقوم على أساس السعي لإطالة أمد الحرب، وليس حسمها. وهناك سببان رئيسيان لذلك. الأول، هو الاستنزاف المتواصل. والثاني، هو احتواء مبررات الحاجة إلى استخدام أسلحة نووية.

الدبابات الروسية تستطيع، قياسا بنسبة إصابة الأهداف، أن تحقق بدبابتين ما تحققه دبابة غربية واحدة

ويقصد بالاستنزاف تحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد حرب، لكي يأكل نفسه. ومع استمرار وتشديد العقوبات والعزلة، فإن هذا الاقتصاد سوف يبدأ بمواجهة مشكلات في غضون سنتين أو ثلاث من الآن بعد أن يستهلك الكثير من احتياطاته، وذلك حتى وأن ظل قادرا على إنتاج القذائف والصواريخ إلى ما لا نهاية.

أما احتواء الدوافع النووية المتطرفة، فيقصد منح روسيا مشاعر بأنها لم تخسر الحرب بعد، لمنعها من أن تجد نفسها مضطرة إلى تبني خطوات انتحارية. وهذه الإستراتيجية لا تتوافق مع التقديرات الأوكرانية، التي تريد أن تحقق كل شيء في عشرة أيام.

والحرب التي بدأت قبل 11 شهرا، كان من المعروف للخبراء العسكريين الغربيين ولكل وزارات الدفاع في أوروبا والولايات المتحدة وللحلف الأطلسي (الناتو)، أنها تُخاض بميزان قوى غير متناسب. وأن روسيا تدفع المزيد من قواتها إلى أوكرانيا، مما كان يتطلب البدء، من قبل تسعة أشهر على الأقل، بتدريب العسكريين الأوكرانيين على استخدام أسلحة ثقيلة، إلا أن ذلك لم يحصل.

وما يشجع دول الناتو على المماطلة، هو أنها تعرف حدود ما تريد روسيا أن تتوقف عنده في المرحلة الراهنة من الحرب، وهي حدود إقليمي دونباس. بمعنى أن كييف، وباقي الأراضي الأوكرانية سوف تظل في مأمن. ولكن من دون أن تتوقف الحرب.

ولا يشكل الدعم الغربي، العسكري والإنساني لأوكرانيا، عبئا ثقيلا لا يمكن تحمله. هذا الغرب أنفق تريليوني دولار لمواجهة وباء كورونا. والولايات المتحدة نفسها، وبمفردها، أنفقت تريليوني دولار على حربها في العراق. ولكن الاقتصاد الروسي ليس في وضع مماثل. مما يُقنع القادة العسكريين الغربيين بأن إستراتيجيتهم فعالة وقليلة المخاطر.

وهذا الواقع يشير إلى أن مسار الحرب في أوكرانيا لا يتجه نحو نهاية سريعة أو تحسمها الدبابات. والعالم الذي يتعامل مع وجه واحد بحكم التحيز الغربي ضد روسيا، لا يمكنه أن ينتظر إلا المفاجآت مما تتقلب معه الحقائق، وذلك بحكم أن السردية الإعلامية الغربية تقول شيئا، بينما صانعو الإستراتيجيات يفعلون شيئا آخر، وهو أمر يُلقي بأحماله وتأثيراته على الجميع.

صحيفة العرب