يقول الكرملين في آخر التصريحات الصادرة عنه، إن الرئيس الأمريكي لا يريد إنهاء الصراع في أوكرانيا من خلال ضخ المزيد من الأسلحة، التي كان آخرها دبابات إبرامز، التي تهدف بحسب واشنطن لحماية أوكرانيا وليس لإطالة النزاع، وكذلك الحال مع دبابات ليوبارد الألمانية، التي أعلنت برلين عن قرار بإرسالها لأوكرانيا لتنضم لأسطول الأسلحة الغربية الآخذ بالتضخم في أوكرانيا، فهل ستنقذ هذه الأسلحة أوكرانيا وتمكنها من مواجهة الغزو الروسي؟
من الصعب الإجابة على سؤال كهذا، وحتى المتخصصون في العلوم العسكرية اختلفت آراؤهم حول الكفة الراجحة مستقبلا في أوكرانيا، لكن يمكن اشتقاق بعض الإجابات من الوقائع الماثلة بعد شهور على بدء الدعم الغربي لأوكرانيا في هذه الحرب، وأهمها أن روسيا لحد الآن، ورغم كل الدعم التسليحي من الناتو لأوكرانيا، ما زالت متقدمة في الأراضي الأوكرانية وتحتل مساحة واسعة من شرقها، ورغم موجة التقدم الأوكراني والتراجع الروسي من مدن استراتيجية مثل خيرسون وليمان، إلا أن الجيش الروسي استعاد مؤخرا زمام المبادرة وأوقف تراجعه، وتقدم لاحتلال مدينة مهمة جديدة هي سوليدر، وستبقى هذه الحرب كرا وفرا وموجات تقدم وموجات تراجع، لكن الموجات الكبرى في التقدم لا تزال لليوم بيد الروس، فكيف ستجري الأمور مستقبلا؟
يبدو أن روسيا ستستفيد بطريقة غير مباشرة من مواجهة آخر تقنيات الأسلحة الغربية في أوكرانيا، بحيث ستتحول أوكرانيا بالنسبة لموسكو لحقل تدريب جديد
اعتقد أن السؤال المهم في نوع من الحروب كهذا، تقترب فيه الإمكانات العسكرية بين الطرفين من بعضهما بعضا، هو الإمكانيات البشرية للطرفين المتحاربين، فماذا ستفعل كييف بكل قطع السلاح الغربي إذا جفت مواردها البشرية عن تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين في صفوف جيشها؟ وبالنظر لأن عدد سكان روسيا يفوق ثلاثة أضعاف عدد سكان أوكرانيا، ولأن انضباط الدولة الروسية وقدرتها على حشد الجنود يفوق مثيلتها الأوكرانية، وبالاخذ في الحسبان أن أكثر من سبعة ملايين أوكراني غادروا البلاد نازحين إلى أوروبا ومثلهم نزحوا داخليا، ما يعني أن ثلث سكان أوكرانيا تقريبا البالغ نحو 45 مليونا، بات خارج الكتلة السكانية القادرة على تغذية القوات المسلحة الأوكرانية، بالنظر لهذا الواقع السكاني المختل في أوكرانيا التي تواجه غزو دولة تكبرها سكانا بثلاثة أضعاف على الأقل، ومساحة بعشرات المرات، عدا عن الإمكانيات اللوجستية والاقتصادية والموارد الروسية الضخمة، فإن هذا الفارق في الإمكانيات البشرية والموارد والإمكانات اللوجستية سيشكل عاملا حاسما بتقديري في مسار الحرب التي قد تطول لسنوات، ويكون فيها للطرف القادر على استنزاف الخصم وتحمل مئات الآلاف من القتلى الكفة الراجحة، وهو هنا على ما يبدو روسيا. وهذه المشكلة بدأت تظهر ملامحها من خلال شن أوكرانيا حملة تجنيد قسرية في صفوف الرجال القادرين على حمل السلاح، وأيضا تجنيد بعض الشباب اليافعين ضعيفي الخبرة التسليحية كما تقول بعض الأنباء. قد تبدو الأسلحة الغربية لدى كييف عاملا فارقا، لكن هذا يكون مع دولة متواضعة القدرات التسليحية والتقنيات العسكرية، وروسيا ليست كذلك، وهي تمتلك جيشا من أقوى الجيوش في العالم، بينما الناتو يقاتل بأسلحته وخبرائه وليس مباشرة بجيوشه.
ويبدو أن روسيا ستستفيد بطريقة غير مباشرة من مواجهة آخر تقنيات الأسلحة الغربية في أوكرانيا، بحيث ستتحول أوكرانيا بالنسبة لموسكو لحقل تدريب جديد، تفحص فيه روسيا قدراتها العسكرية أمام أكثر الأسلحة الغربية المتطورة، وفي الوقت نفسه، من دون أن تواجه جيوشا أوروبية قوية، بالطبع هذا سيعقد المواجهة العسكرية ويجعلها أكثر صعوبة على موسكو، لكنه أيضا سيمنح روسيا فرصة لاختبار ومحاكاة حرب بينها وبين الناتو، من دون أن تنخرط فيها حقيقة، وأغلب الظن أن موسكو تنظر لهذا الأمر بقدر كبير من التحدي، ولعل بوتين والقيادة العسكرية يقولون: إذا كنا نعتبر أنفسنا دولة عظمى وقوة عسكرية كبرى في العالم يفترض أن تكون قادرة على مواجهة جيش الناتو، فكيف يمكن أن نهزم في أوكرانيا أمام أسلحة الناتو فقط!
القدس العربي